كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

المبحث الثالث بين يدي شروح اللمع الأخرى

صفحة 21 - الجزء 1

  وقال الثمانيني: فأما (كيف) فالذي يدل على كونها اسما أن (قطربا) حكى عن بعض العرب أنه أدخل حرف الجر عليها، فقال: (أنظر إلى كيف يصنع)، وحكى (الأخفش): أن قوما من العرب يقولون: (على كيف تبيع الأحمرين)⁣(⁣١)؟ فيدخلون عليها حرف الجر، وهذا دليل من طريق السماع، فأما طريق القياس، فالذي يدل على أنها اسم أنها تجاب بالاسم، إذا قيل: كيف زيد؟ قيل (صالح، أو مريض): والاسم لا يكون إلا جوابا لاسم، وانك تبدل منها الاسم، تقول: (كيف زيد: أخارج أم مقيم)؟ والاسم لا يبدل إلا من الاسم، وإنها سؤال عن حال، والحال لا تكون إلا اسما؛ فإذا وجدت الجمل، في مواضع الحال؛ فذلك مجاز وليس بحقيقة.

  والذي يدل على أن (كيف) اسم أنك تقول: (كيف زيد)؟ فيكون كلاما مستقلا.

  ولا تخلو أن تكون حرفا أو اسما أو فعلا، فلا يجوز أن تكون حرفا؛ لأن الحرف مع الاسم لا يفيد إلا في النداء، وهذا ليس بنداء، ولا يجوز أن تكون فعلا، لأنها ليست مشتقة من مصدر، ولا تدل على زمان مخصوص، وأيضا فإنه ليس في الأفعال الثلاثية ما يسكن وسطه سكونا لازما⁣(⁣٢). وبهذا نستطيع أن نقول: إن الثمانيني يستند إلى دليل السماع بقوة، ثم يلجأ إلى القياس، وهو الدليل الثاني عند أهل هذه الصناعة، فالثمانيني باحث مؤصل يعتمد على الدليل القولي، والحجة اللغوية، ولا يخلي بعد ذلك كلامه من العلة.

  أما ابن برهان، فباحث منطقي معلل.

  والثاني: صعب معقد، يلفه الغموض، لما فيه من الافتراضات، وأنقل مثالا على ذلك، قوله في النسب إلى الممدود، قال⁣(⁣٣): «ولما استوى في الحذف في التاء الجمع والنسب، استويا في القلب، فقالوا: حمراوات وحمراوي، ولأن الاسم كان ينصرف في حال إفراده فتدخله الحركات الثلاث ثم لزم حركة واحدة بعد دخول علامتي التثنية والنسب، فإن قال: وما الفرق بينهما وبين التاء حتى حذفت في النسب؟ قيل له: إن التاء تشبه ياءي النسب في: زنج وزنجي، وتمرة، وتمر، فكان اجتماعهما لذلك كاجتماع حرفي معنى، وأيضا فالذي اقتضى حذفهما في (مسلمات) يقتضي حذفهما هنا، والذي اقتضى (حمراوات) اقتضى (حمراوي).

  فإن قال: هلا أبدلت التاء؟

  قيل له: لم يستمر بدلها في شيء وصلا كما استمر ذلك في الهمزة.

  فإن قيل: وما الفرق بينهما وبين الألف في: حبارى وقرقرى؟

  قيل له: قال سيبويه: لا تحذف؛ لأنه لما تحرك آخر الاسم، وكان حيا يدخله الرفع والنصب


(١) الأحمران: قيل: اللحم والخمر، أو: الذهب والزعفران، التاج (حمر) ١١: ٧٤، ٧٥.

(٢) الفوائد والقواعد ٦.

(٣) شرح اللمع لابن برهان ٢: ٦٢٧، ٦٢٨.