المبحث الثالث بين يدي شروح اللمع الأخرى
  والجر، صار بمنزلة آخر (مرمى)، وإنما جسروا على حذف الألف؛ لأنها ميتة، لا يدخلها جر ولا نصب ولا رفع فحذفوها كما حذفوا ياء (ربيعة وحنيفة).
  ولو كان آخر (مرامى وحبارى) متحركا لم يحذف لقوة المتحرك، فأراك أن اعتلالها بالسكون طرق عليها الحذف، كما يطرق المرض الموت».
  ج - الشاهد: استشهد ابن برهان في شرحه بالقرآن الكريم كثيرا، فكل قاعدة يمكن أن يكون لها شاهد من القرآن، فقد أتى بذلك الشاهد القرآني.
  وأما الشعر، فقد أكثر منه، إذ كان راوية إخباريا(١)، وتعود كثرة الشعر في شرحه لسببين:
  الأول: استشهاده للقاعدة الواحدة، بعدد من الأبيات، حتى يبدو الاستشهاد مملا، ومن أمثلة ذلك استشهاده على جواز صرف ما لا ينصرف في الشعر، إذ استشهد لهذا الجواز بعشرة أبيات منها، بيت النابغة:
  فلتأتينك قصائد وليدفعن ... ألف إليك قوادم الأكوار(٢)
  وقول الأخطل:
  طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت ... بشبيب غائلة النفوس غدور(٣)
  الثاني: إيراده الأبيات السوابق، واللواحق للبيت الذي فيه الشاهد النحوي ومن أمثلة ذلك استشهاده على وصل (من) عند ما تكون سؤالا لجمع المخاطبين المذكر، مرفوعا، فجميع النحويين يستشهدون بالبيت الذي يضم الشاهد وحده - وهو قول شمير بن الحارث الضبي:
  أتوا ناري، فقلت: منون؟ قالوا: ... سراة الجن قلت: عموا ظلاما
  أما ابن برهان فقد ذكر مع هذا البيت ثلاثة أبيات أخر، لا علاقة لها بالقاعدة(٤). بل إنه ذكر قصيدة عبيد بن الأبرص البالغة ثمانية عشر بيتا برمتها، وكان يكفيه لتمثيل القاعدة بيت أو بيتان، ولكن لأنه اتفق لعبيد أن تكون (أل) التي حذفت همزة القطع فيها لكثرة الاستعمال، في قصيدته في عروض القصيدة، وما دخلت عليه في أول العجز، فقد ذكرها كلها(٥)، ومطلعها:
  يا خليلي، قفا واستخبر ال ... منزل الدارس عن أهل الحلال
  وأما استشهاده بالحديث النبوي الشريف، فقد جرى على سنن النحويين قبله في قلة الاستشهاد منه، إذ لم يتجاوز استشهاده بالحديث أكثر من تسعة أحاديث كما أحصاها محقق الكتاب، الدكتور فائز فارس.
  ولم يغفل ابن برهان عن أقوال العرب وأمثالهم، إذ استشهد في شرحه ببعض أقوالهم وأمثالهم.
(١) شرح اللمع لابن برهان (المقدمة) ٧٨.
(٢) نفسه ٤٧٦.
(٣) نفسه ٤٧٧.
(٤) شرح اللمع لابن برهان ٤٩٨.
(٥) نفسه ٣٠٥، ٣٠٦.