باب حروف الجر
  تعالى: {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ}(١). وقال: {ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ}(٢). ف (من) [٨٦ / أ] زائدة. ألا ترى رفع (غير) بالحمل على الموضع. ولا يجوز زيادة (من) في الإثبات، عندنا. ويجيزه الأخفش، وذلك في نحو قوله: {وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ}(٣). هو، عند الأخفش: واسألوا الله فضله. وعندنا: وأسألوا الله شيئا من فضله. فأما قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ}(٤) فإن (من) الأولى: لابتداء الغاية، أي ابتداء النزول من هذا المكان. وقوله: (من جبال): بدل منه، أو تبيين، أو زائدة، عند الأخفش(٥). وقوله: (من برد): تبيين من جبال. أي: من جبال من برد، كما تقول: خاتم حديد، وخاتم من حديد. أو تكون زائدة، على قول الأخفش. أي: فيها برد. يرتفع برد بالظرف، لجري الظرف على النكرة، وصفا.
  ويجوز أن تكون، عند سيبويه: فيها شيء من برد، فحذف شيئا. [قال الشاعر]:
  ٢١٥ - لو قلت: ما في قومها، لم تيثم ... يفضلها في حسب، وميسم(٦)
  أي: ما في قومها أحد يفضلها. فأما [قول الشاعر]:
  ٢١٦ - هاجرتي، يا ابنة آل سعد ... أأن حلبت لقحة للورد
  جهلت من عنانه الممتد(٧)
  ف (من) عند الأخفش: زائدة. أي: جهلت عنانه. وعند سيبويه: أنّ (جهل) يؤول إلى معنى النفي، وكأنه، قال: ما علمت من عنانه. والشيء يحمل على النفي في المعنى. ألا ترى أنهم قالوا: قل رجل يقول ذاك إلا زيد. فرفعوا (زيدا) لأن معنى: قل رجل يقول ذاك: ما يقول رجل ذاك. وقالوا: قلما سرت حتى أدخلها. فنصبوا (أدخلها) لأن قوله: قلما سرت، معناه: تقليل السير، ونفيه. فهو بمنزلة قولهم: ما سرت حتى أدخلها. وقالوا: (شرّ أهرّ ذا ناب)(٨). فرفعوا (شرا) بالابتداء، لأن معناه: ما شر أهر ذا ناب. إنما كان في تقدير: ما شر، لأن (شرا) نكرة.
  والنكرة لا يبتدأ به إلا إذا كان نفيا. فأما قول [الشاعر]:
  ٢١٧ - لبسن الفرند الخسروانيّ، فوقه ... مشاعر، من خزّ العراق المفوّف(٩)
  فقدره أبو علي تقديرين: أحدهما، على مذهب سيبويه، والآخر: على مذهب الأخفش.
  فعند سيبويه، تقديره: فوقه المفوف من خز العراق. والمفوف يكون من الحرير، دون الخز. وقد
(١) ٣٥: سورة فاطر ٣.
(٢) ٧: سورة الأعراف ٥٩.
(٣) ٤: سورة النساء ٣٢.
(٤) ٢٤: سورة النور ٤٣.
(٥) تفسير القرطبي ١٢: ٢٨٩، إذ ذهب الأخفش إلى أنها: زائدة في الموضعين.
(٦) من الرجز، سبق ذكره رقم (١٤٧).
(٧) من الرجز، لم أهتد إلى قائله.
(٨) مجمع الأمثال ١: ٣٧٠ رقم (١٩٩٤)، والكتاب ١: ٣٢٩.
(٩) سبق ذكره رقم (٥٨).