كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب حروف الجر

صفحة 229 - الجزء 1

  جعله من الخز، مجازا. وعند الأخفش، من: زائدة [٨٦ / ب]، أي فوقه: خز العراق المفوف.

  كقوله: {فِيها مِنْ بَرَدٍ}⁣(⁣١)، على تقديره.

  ومن حروف الجر: (إلى) وهي لانتهاء الغاية، كقولك: سرت من البصرة إلى الكوفة. أي: انتهى سيري إلى الكوفة. والكوفة غاية له. وهذه الغايات، من جهة اللغة، بمنزلة المجمل، لا يعرف من ظاهرها، دخولها فيما قبلها، حتى تجيء قرينة توجب ذلك. ألا ترى أن قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ}⁣(⁣٢) دخلت المرافق، في الغسل، عند الأكثرين. وقال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ}⁣(⁣٣). والليل غير داخل في الصوم. وقال: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (٥)⁣(⁣٤). فالسلام منتهى طلوع الفجر. فمن قال لامرأته: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث، تطلق ثنتين. لأن الأول، لمّا كان لابتداء الغاية، دخل في الفعل، والآخر خرج عنه خروج الليل من الصوم. وعند زفر⁣(⁣٥): تطلق واحدة، لأنه يخرج الغاية الأولى، والآخرة من الكلام. وروي عن أبي حنيفة⁣(⁣٦)، أيضا، أنه يقع ثلاث، ويدخل الآخر، أيضا للغاية، كقوله: (إلى المرافق).

  ٢٤: سورة النور ٤٣. وقالوا: إن (إلى) تجيء بمعنى (مع). قال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ}⁣(⁣٧). قالوا: معناه: مع أموالكم. وكذا قوله: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ}⁣(⁣٨). أي: مع الله. وهذا، في الحقيقة غير ما يدعون فيه. وإنما (إلى) على بابه. فقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ}⁣(⁣٩)، تقديره: ولا تأكلوا [أموالهم]: مضمومة إلى أموالكم. وكذلك قوله {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ}، معناه: من يضيف نصرته إياي إلى نصرة الله. فهذا مجاز هذا الكلام.

  وأما (في) فللوعاء، والمحل. كقولك: اللّصّ في الحبس، والمال في الكيس. قالوا: وتجيء (في) بمعنى (على) كقوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}⁣(⁣١٠). قالوا: معناه: على جذوع النخل. وهذا في الحقيقة على معناه، لأن الجذع، إذا اشتمل على المصلوب، كان المصلوب فيه. قالوا: وتجيء (في) بمعنى (مع). كقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبادِي} (٢٩)⁣(⁣١١)، أي: مع عبادي. وهذا، في الحقيقة: ادخلي في عرض عبادي، وفي جملتهم.

  وأما (عن) فيكون [٨٧ / أ] على ثلاثة أضرب: يكون حرفا، ويكون معناه لما عدا الشيء،


(١) ٢٤: سورة النور ٤٣.

(٢) ٥: سورة المائدة ٦.

(٣) ٢: سورة البقرة ١٨٧.

(٤) ٩٧: سورة القدر ٥.

(٥) هو: أبو الهذيل، زفر بن الهذيل بن قيس العنبري من تميم (ت ١٥٨ هـ)، صاحب الإمام أبي حنيفة، كان فقيها حافظا، ومحدثا، غلب عليه الرأي. (الجواهر المضيئة ٢٤٣، ٢٤٤).

(٦) هو: الإمام نعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه (ت ١٥٠ هـ)، الفقيه الكوفي، إليه ينسب الحنفية. (الجواهر المضيئة ٤٥١ - ٥١٨).

(٧) ٤: سورة النساء ٢.

(٨) ٦١: سورة الصف ١٤.

(٩) ٤: سورة النساء ٢.

(١٠) ٢٠: سورة طه ٧١.

(١١) ٨٩: سورة الفجر ٢٩.