كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

المبحث الثالث بين يدي شروح اللمع الأخرى

صفحة 23 - الجزء 1

  د - التعليل: لا يكاد ابن برهان يخرج عن العلل البصرية المعروفة لدى النحويين؛ إذ كان يؤمن بأن (الأصل) لا وجه لتعليله، وإنما يعلل الاستحسان⁣(⁣١)؛ معللا ذلك بأن الأصول لا يتسلط على وضع ما جاءت عليه سؤال، إذ ذلك - كما قال هو نفسه - بمنزلة من قال: كيف كانت صلاة الفجر ركعتين، والمغرب ثلاثا، والعشاء أربعا؟!⁣(⁣٢).

  فعلله إذن هي العلل التعليمية، ولا يخرج عنها إلا نادرا، فيأتي بعلل طريفة كتعليله المقصور، لم سمي مقصورا، قال: لأنه حبس عن الإعراب.

  ثم أخذ يفسر لنا (القصر) فقال: والقصر: الحبس، قال الله تعالى {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ} (٧٣)⁣(⁣٣). أي: محبوسات غير متبذلات، قال كثير:

  وأنت التي حببت كل قصيرة إلي ... وما تدري بذاك القصائر

  عنيت قصيرات الحجال، ولم أرد ... قصار الخطا، شرّ النساء البحاتر⁣(⁣٤)

  ٣ - شرح اللمع المسمى (البيان في شرح اللمع) لأبي البركات عمر بن إبراهيم الحسيني العلوي الكوفي المتوفى سنة (٥٣٩ هـ):

  إن شرح أبي البركات العلوي ما يزال مخطوطا، وهو شرح كبير يقع في (٥٦٠) صفحة، ويتسم بالمنهج الآتي:

  أ - طريقة الشرح: شرح العلوي لمع ابن جني شرحا بالقول، من أوله إلى آخره، إذ افتتح كتابه بقوله: (قال أبو الفتح عثمان بن جني، ¦: الكلام ثلاثة أضرب ..) ثم أجتزأ هذه العبارة إلى لفظة (قال) فقط، في مفتتح كل باب، أو فصل، أو فقرة، وقليلا ما يعود فيقول (قال ابن جني)، وجعل بدء شرحه، بعد نقل كلام ابن جني، لفظة (اعلم)، فهو إذن شرح بالقول من أوله إلى آخره.

  اعتمد أبو البركات العلوي في مادته العلمية على النتاج النحوي للعلماء الذين سبقوه في هذا المضمار، فكان كتاب سيبويه وآراؤه، وكتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي، وآراء الخليل والأخفش والفراء وأبي سعيد السيرافي، وغيرهم، وكذلك آراء الفقهاء كالشافعي، كان كل أولئك مصادر مادة شرحه، فينقلها لنا في كتابه، ومن أمثلة ذلك قوله ناقلا عن سيبويه: (الفعل أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، ولما هو كائن لم ينقطع)⁣(⁣٥).

  وكما قلت، كان يعتني بآراء الفقهاء، فقد أخذ عن الشافعي قوله في معنى (الباء) و (الواو)، فقال: «وعند الشافعي، ¥، ومن وافقه من الفقهاء، أنها؛ أي (الباء) للتبعيض، ويجب


(١) نفسه ٢٧٣.

(٢) شرح اللمع لابن برهان ٧٣٧.

(٣) ٥٥: سورة الرحمن ٧٢.

(٤) شرح اللمع لابن برهان ١٦، ١٧.

(٥) الكتاب ١: ١٢، وشرح اللمع للعلوي ٦.