كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الإضافة

صفحة 243 - الجزء 1

  ٢٣٩ - ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنّما العزّة للكاثر⁣(⁣١)

  فالتقدير: لست منهم بالأكثر. ولا يتعلق (من) ب (الأكثر) لأنه معرف باللام، فلا يحتاج إلى التخصيص ب (من).

  [والرابع]: من وجوه الإضافة التي ليست بمحضة: إضافة الشيء إلى ما يتوهم أنه صفته، وهو في الحقيقة، بخلاف ذلك. وذلك قولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، ودار الآخرة، وحقّ اليقين، وحبّ الحصيد. فلا يتوهم أن قولك (مسجد) أضيف إلى (الجامع)، والجامع، صفة له، وأصله: المسجد الجامع. وإنما الجامع: صفة موصوف محذوف. والتقدير: مسجد اليوم الجامع.

  وكذلك: صلاة الأولى، تقديره: صلاة الساعة الأولى. وكذلك: دار الآخرة. أي: الساعة الآخرة.

  فالموصوف قد حذف، في هذه الأشياء، وإليه وقعت الإضافة، لا إلى الصفة. لأن الموصوف لا يضاف إلى صفته من حيث إنّ صفته (هو). والشيء لا يضاف إلى نفسه. فبطل قول من ادعى في هذا ذلك.

  فأما قولهم: نفسه، وكلّه [٩٤ / ب] فليس إضافة الشيء إلى نفسه، وإنما الأول من الثاني بمنزلة الأجنبي. والإضافة بمعنى اللام، لأنه يصح أن تقول: له نفس، وله كل. و (كل) محمول على الأجزاء، والأجزاء تضاف إلى المجزّأ. تقول: هذه أجزاء العشرة. فلما كان (كل) منتظما للاجزاء، حمل عليها، واستجيز إضافتها، كما يستجاز إضافة الأجزاء. فتأمل هذا.

  واعلم أنه يضاف أسماء الزمان إلى الأفعال، والجمل. تقول: هذا يوم قام زيد. وهذا يوم يقوم زيد، وهذا زمن الحجّاج أمير. فتضيف اسم الزمان إلى الأفعال، لأن الأفعال تدل على الزمان، فهو كإضافة بعض إلى كل في قولك: ثوب خز. والإضافة في هذا وقعت إلى نفس الفعل. فإذا قلت: هذا يوم يقوم زيد. فيوم: مضاف إلى هذه الجملة.

  والفراء⁣(⁣٢) يدعي أن الإضافة وقعت إلى المصدر، وإنك، إذا قلت: هذا يوم يقوم زيد. يجوز في (يقوم) النصب على تقدير (أن). فإذا قلت: هذا يوم يقوم زيد. أي: يوم قيام زيد. وندل على ذلك فيما بعد هذا.

  [قال أبو الفتح]: واعلم أن المضاف قد يكتسي كثيرا من أحكام المضاف إليه، نحو: التعريف، والتنكير، والاستفهام، والعموم، ومعنى الجزاء، وغير ذلك. ويأتي ذلك في أماكنه. معنى قوله: وغير ذلك: يعني: البناء، والتأنيث، والنفي. وقد ذكر أنه يذكره في أماكنه، وليس من شرط أماكنه هذا الكتاب، إذ لم يذكرها فيه. وأنا أفصله لك، إن شاء الله.

  [أما التعريف] فلأنك تقول: هذا غلام، فيكون نكرة، ثم تقول: هذا غلام زيد، فيتعرف


(١) البيت من السريع، للأعشى، في: ديوانه ١٤٣، والخصائص ١: ١٨٥، ومقاييس اللغة (كثر) ٥: ١٦١، وابن يعيش ٦: ١٠٠، ١٠٣، واللسان (كثر) ٥: ١٣٢، والخزانة ١: ١٨٥، ٢: ١١، ٣: ٤٠٠، ٨: ٢٥٠، ٢٥١، ٢٥٣، ٢٥٤.

(٢) معاني القرآن ١: ٣٢٦، وليس فيه كما صرح به الشارح، وإنما قال: " ترفع (اليوم) ب (هذا) ويجوز أن تنصبه، لأنه مضاف إلى غير اسم".