كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب التوكيد

صفحة 253 - الجزء 1

  وذكر ابن السري⁣(⁣١): أن الصفة على ضربين: صفة محضة، وصفة غير محضة. فالأول على خمسة أقسام: حلية كالزرقة، والحمرة، في: مررت برجل أزرق، وأحمر. وصفة بفعل، كضارب، وقاتل. وصفة بغير هذين، كفهم، وعاقل. وصفة بشيء منسوب إلى أب، أو بلدة، كقولك:

  مررت برجل بصريّ، أو هاشميّ. وصفة بذي، الذي معناه: صاحب، كقولك: مررت برجل ذي مال. وكنا قديما ذكرنا فصلا في (ذي) في أول الكتاب.

  وأما الصفة التي ليست بمحضة [١٠٠ / أ]، فثلاثة أقسام: صفة بمفرد، كقولك: هذا رجل له إبل مئة. وصفة بمضاف، كقولك: مررت برجل أبي عشرة. وصفة بموصول، كقولك: مررت برجل أفضل منك. والله أعلم.

باب التوكيد

  [قال أبو الفتح]: اعلم أن التوكيد: لفظ يتبع الاسم المؤكّد، لرفع اللبس، وإزالة الاتساع.

  [قلت]: التأكيد على ضربين: تأكيد بلفظ غير محيط بالأول. وتأكيد بلفظ محيط بالأول.

  فالأول على ضربين: تأكيد بلفظ مكرر. وتأكيد بلفظ في المعنى، هو الأول دون اللفظ.

  فالأول: يلحق الأسماء، والأفعال، والحروف، والجمل، وغير ذلك. تقول: جاءني زيد زيد. وقام زيد قام زيد وفي الدار في الدار زيد قائم فيها. قال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها}⁣(⁣٢). وقال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} (١٣)⁣(⁣٣) فهذا في الجملة الفعلية. وقال في الاسمية: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (١٠)⁣(⁣٤). وقال: {وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ}⁣(⁣٥) ثم قال: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا}⁣(⁣٦).

  وأما الآخر، فقولك: جاءني زيد نفسه عينه، فتكرر بمعناه دون لفظه. ف (نفسه) في هذا الموضع، كقولك (حقا) في قولك: جاءني زيد حقا. وتقول: قمت أنت نفسك. ولا تقول، قمت نفسك. كما لا تقول: قمت وزيد، حتى تقول: قمت أنت وزيد. فالتأكيد كالعطف.

  [قال أبو الفتح]: وإنما تؤكّد المعارف دون النكرات، مظهرها، ومضمرها. فالمضمر: قمت أنت نفسك. والمظهر: جاءني زيد نفسه.

  والثاني، من التأكيد: ما يكون محيطا بالأول، وذلك نحو: كل، وأجمع، وأكتع، وأبصع، وجمعاء، وكتعاء، وبصعاء، وجمع، وكتع، وبصع. جاءني القوم كلهم أجمعون أكتعون أبصعون، هذا في الظاهر. وفي المضمر: جاؤوني أجمعون أكتعون أبصعون، ويجوز: جاؤوني أجمعون، ولا يجوز: جاؤوني أنفسهم، حتى تقول: هم أنفسهم. لأن أجمعين قد تمكّن في التبعية، وأنفسهم لم يتمكن تمكنه. فجاز فيه ما لا يجوز في ذلك. [١٠٠ / ب].

  وإنما جاز تأكيد المعرفة، دون النكرة، لأن النكرة لم تثبت لها عين، فتؤكد، ولأن الأسماء


(١) الأصول ٢: ٢١، ٢٦.

(٢) ١١: سورة هود ١٠٨.

(٣) ٥٥: سورة الرحمن ١٣.

(٤) ٨٣: سورة المطففين ١٠.

(٥) ٢: سورة البقرة ٢٥٣.

(٦) ٢: سورة البقرة ٢٥٣.