كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب عطف النسق

صفحة 270 - الجزء 1

  بالرفع⁣(⁣١) على أن يكون عطفا على الضمير الذي في الظرف، وأنّ التقدير: النفس مأخوذة بالنفس، [هي]⁣(⁣٢) فعطف على الضمير، ولم يؤكد. قال: وهذا مستحسن جدا. قال الله تعالى: {ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا}⁣(⁣٣)، فعطف (آباؤنا) على الضمير في (أشركنا) ولم يؤكد، كما أكد في قوله: {ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا}⁣(⁣٤).

  [فإن قلت]: إن رفع قوله: (والعين بالعين)، ليس كقوله: (ولا آباؤنا)، لأنه قد طال الكلام ب (لا) فحسن، كما حسن في قوله: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ}⁣(⁣٥)، فرفع (شركاؤكم⁣(⁣٦)) بالعطف على الضمير في (فأجمعوا)، وليس كذلك (والعين بالعين).

  [الجواب]: أن قوله: (ولا آباؤنا)، إنما كان يكون مثل قوله: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ} أن لو كانت (لا) قبل واو العطف، كما أن المفعول في: (فأجمعوا أمركم)، إنما قام مقام التأكيد، لما [١٠٩ / أ] كان قبل واو العطف. فلما لم تكن (لا)، قبل الواو، جاز: قمنا وزيد، بدلالة الآية.

  فأما قول محمد⁣(⁣٧)، رحمة الله عليه، في قول من قال: أنت طالق، إن دخلت الدار، بل هذه: إنّ (هذه) تنعطف على (أنت)، وإنّ التقدير: أنت طالق، بل هذه، إن دخلت الدار. ودخول المخاطبة الدار، شرط لوقوع الطلاق عليهما. فإنه، إنما استحسن هذا دون أن تكون (هذه) معطوفة، على التاء المرفوعة ب (دخل)، لأن قوله، أنت: مبتدأ، وهي عمدة الكلام، ومقصود بالإخبار عنه.

  وكان عطف (هذه) على (أنت) أولى من العطف، على التاء، لأن التاء متصل بفعل الشرط.

  والشروط في الكلام، جارية مجرى الظروف. فقوله: أنت طالق، إن دخلت الدار، تقديره: أنت طالق، وقت دخول الدار. والظروف فضلة في الكلام، فلم ير العطف على التاء المتصل، بالفضلة.

  وقول من قال: إنه، إنما لم يعطف على التاء، لأنه لا يستحسن: قمت وزيد، فإنّ هذا القائل لم يعلم أنه يستحسن: قمت في الدار وزيد. فقوله: إن دخلت الدار، بل هذه، في قيام المفعول مقام الضمير، في التأكيد، كقوله: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ} لا فرق بينهما. وكقوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}⁣(⁣٨). وكقوله: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ}⁣(⁣٩).

  وأما المعطوف على المضمر المجرور، في نحو: مررت به وزيد، فعندنا لا يجوز إلا بإعادة


(١) وهما: الكسائي، وأنس. السبعة ٢٤٤، وحجة القراءات ٢٢٦، وإعراب القرآن - للنحاس ١: ٤٩٩.

(٢) الأصل غير واضح.

(٣) ٦: سورة الأنعام ١٤٨.

(٤) ١٦: سورة النحل ٣٥.

(٥) ١٠: سورة يونس ٧١.

(٦) وهي قراءة: أبي عمرو، ويعقوب، وأبي عبد الرحمن السلمي، والحسن، وابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وسلام. مختصر في شواذ القرآن ٥٧، وأعراب القرآن - للنحاس ٢: ٦٦، والمحتسب ١: ٣١٤، ومجمع البيان ٥: ١٢٢، وتفسير القرطبي ٨: ٣٦٢، والنشر ٢: ٢٨٦.

(٧) هو: محمد بن الحسن، فرقد بن أبى عبد الله، الشيباني (ت ١٧٨ هـ). صحب الإمام أبا حنيفة، وأخذ العلم، والفقه عنه، ثم عن: أبي يوسف. صنف الكتب، ونشر علم أبي حنيفة، وروى الحديث. ومن روى عنه: الإمام الشافعي. ينظر: الجواهر المضيئة ٤٢ - ٤٤.

(٨) ٢: سورة البقرة ٣٥.

(٩) ٥: سورة المائدة ٢٤.