كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب عطف النسق

صفحة 271 - الجزء 1

  الجار. والفراء يجيز ذلك، ويحتج بقوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ}⁣(⁣١) ... الآية. إلى قوله: (والمسجد الحرام). فقوله: (والمسجد الحرام): مجرور بالعطف على الهاء، من قوله: (وكفر به).

  ولم يقل: وبالمسجد. قال: فقتال فيه: مبتدأ. وصد: عطف عليه. وكفر: عطف عليه. والتقدير: وصد عن سبيل الله كبير، وكفر به، وبالمسجد الحرام كبير، فأضمر. وروي عنه، أن قوله: قتال فيه: مبتدأ، وخبره: كبير. وصد عن سبيل الله: عطف على كبير. وكفر به كذلك. والتقدير عنده: قتال فيه كبير، وصد، وكفر. أي: القتال في المسجد الحرام، قد جمع هذه الأشياء⁣(⁣٢).

  فأما العطف على الهاء المجرور، فغير جائز، لوجوه، منها: أن [١٠٩ / ب] المضمر المجرور، لا يعطف على المظهر المجرور، إلا بإعادة الجار. لا تقول: مررت بزيد، و (ك) حتى تقول: وبك.

  وكذلك، لا تقول: مررت بك، وزيد، حتى تقول: وبزيد. وقال أبو علي، قولهم: مررت به، وبك، هذه المجرورات تشبه التنوين، من حيث إنها لا تنفصل عن الجار، كما أن التنوين لا ينفصل عن الاسم، ومن حيث إنك تقول: يا غلام، فتحذف الياء، كما تحذف التنوين. فلما أشبهها، وجب أن لا يعطف على التنوين، من حيث إن العطف، يقتضي المشاكلة، والمطابقة، وإن الثاني واقع موقع الأول الذي هو معطوف عليه. فلما جرى المضمر في هذا مجرى التنوين، لم يستجز، عطف الاسم عليه، لأن الاسم لا يعطف على الحرف، فكذا لا يعطف على ما يشاكل الحرف.

  وإذا استقبح: قمت وزيد، حتى يؤكد، كراهة عطف الاسم، على الفعل، فكذا هاهنا.

  [فإن قلت]: فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز: مررت بزيد وعمرو، فتعطف المظهر على المظهر، لأن المظهر المجرور، هاهنا، بمنزلة المضمر المجرور.

  [الجواب]: المظهر يخالف المضمر، من حيث إنه اسم يمكن انفصاله عن الجار، في نحو [قوله]:

  ٢٧٥ - ... ... ... قرع القسيّ، الكنائن⁣(⁣٣)

  و:

  ٢٧٦ - ... ... زجّ القلوص، أبي مزادة⁣(⁣٤)

  و: {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ}⁣(⁣٥) و: {مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ}⁣(⁣٦).

  وإذا كان كذلك، فقوله: (والمسجد الحرام): مجرور، بالعطف على: سبيل الله، أي: وصدّ


(١) ٢: سورة البقرة ٢١٧.

(٢) معاني القرآن - للفراء ١: ١٤١.

(٣) البيت من الطويل، للطرماح، وتمامه:

يطفن بحوزيّ المراتع لم ترع ... بواديه من قرع القسيّ، الكنائن

وهو، في: ديوانه ٤٨٦، واللسان (جوز) ٥: ٣٤١.

وبلا نسبة، في: الخصائص ٢: ٤٠٦، والإنصاف ٢: ٤٢٩.

(٤) عجز بيت من مجزوء الكامل، سبق ذكره رقم (١٧)

(٥) ٦: سورة الأنعام ١٣٧. ينظر: ص ٢٢٤، هامش (٣)

(٦) ١٤: سورة إبراهيم ٤٧.