كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب النداء

صفحة 287 - الجزء 1

  يا زيد الظريف، ويا زيد الظريف، منصوب، حملا على الموضع. وإذا رفعت، فهو على لفظ زيد.

  وهكذا حكم المعطوف، إذا كان في المعطوف الألف، واللام. كقولك: يا زيد، والحارث. يا زيد، والحارث. فأما إذا لم يكن فيه اللام، فليس إلا الضم. نحو: يا زيد وعمرو. والفرق بينه وبين الحارث، أنّ الحارث لا يليه (يا) ويلي عمرا (يا). فجاز في (الحارث) لمّا لم تله (يا) النصب، حملا على الموضع. ويجوز، أيضا، الرفع، وإن لم يجز أن تليه (يا) لأنه تابع. وقد يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع، على ما قدمنا.

  فإن كانت الصفة، مضافة، لم يجز فيها إلا النصب، إذا كانت الإضافة، حقيقية، نحو قولك: يا زيد أخانا ... فأما إذا لم تكن حقيقية، نحو قولك: يا زيد الحسن الوجه، فهو بمنزلة المفرد، فيه: الرفع، والنصب. وهكذا حكم عطف البيان، فيه: الرفع، والنصب. فأما البدل، فنحو قولك: يا أخانا، زيد. لا يجوز في (زيد) إلا الضم، إذا جعلته بدلا. فإن جعلته عطف بيان، جاز فيه النصب، لأن البدل قد ذكرنا أنه في تقدير تكرير العامل.

  وأما قوله: " والمشابه للمضاف، من أجل طوله، فمنصوب، نحو: يا ضاربا زيدا، ويا حسنا وجهه". وهو، كما قال، ووجه المشابهة بين هذا، وبين قولهم: يا عبد الله، هو أنّ المضاف عامل في المضاف إليه. كما أنّ هذا، عامل في الأخير، ولأن قولنا: يا ضاربا، مبهم. فإذا قلت: يا ضاربا زيدا، فقد تخصص، وتبين. كما أنّ (عبدا) مبهم. فإذا أضفته إلى لفظة الله، فقد تخصص، وتبين.

  [قال أبو الفتح]: والحروف التي ينبه بها المدعو، خمسة: يا، وأيا، وهيا، وأي، والهمزة. فأم الباب (يا) لأنه المتداول المعروف. ثم (أيا) لأنه (يا) أيضا. ودخلت عليه الهمزة. ثم (هيا) [١١٨ / أ]، والهاء: بدل من الهمزة. كما قالوا: إياك، وهيّاك، وأرقت، وهرقت. ثم (أي) لأنه كأنه محذوف من (أيا). ثم الهمزة، لأنه كأنه محذوف من (أي).

  وأمّا حذف حرف النداء، في نحو قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا}⁣(⁣١)، فإنه لكثرة الاستعمال، ولأن الكلام دليل عليه⁣(⁣٢). وحذف حرف النداء، إنما يجوز في اسم، لا يكون وصفا ل (أيّ). فأما ما يكون وصفا ل (أيّ) فإن حذف حرف النداء منه، لا يجوز، لئلا يشتبه بالخبر، لو قلت: هذا، تريد: يا هذا. أو قلت: الرجل، تريد: يا أيها الرجل، لم يجز، لأنه في الخبر هكذا، ولأن قولهم: يا هذا، أصله: يا أيّهذا. فحذفت (أيّ) فبقي: يا هذا. فلو قلنا: هذا أقبل، لكنا قد أجحفنا إذ حذفنا (يا) بعد حذف (أيّ). وهذا لا يجوز.

  وكان الجرميّ يرى: أنّ: هذا، لم يكن جائزا أن ينادى، لأنه يكون جمعا بين حرفي إشارة.

  والجمع بينهما، إذ هما لمعنى واحد، ممتنع. كما امتنع: يا الرجل. ولكن جاز: يا هذا، لأنه قد جاء: {هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} (٤٣)⁣(⁣٣). فأشير ب (ها) إلى غير حاضر. فلما كانت تشار ب (ها) هكذا، خالفت (يا) فجاز الجمع بينهما.


(١) ١٢: سورة يوسف ٢٩.

(٢) شرح اللمع - لابن برهان ١: ٢٧٤.

(٣) ٥٥: سورة الرحمن ٤٣.