كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب النداء

صفحة 286 - الجزء 1

باب النداء

  [قال أبو الفتح]: الأسماء المناداة، على ثلاثة أضرب: مفرد، ومضاف، ومشابه للمضاف، من أجل طوله. فالمفرد على ضربين: معرفة، ونكرة. والمعرفة أيضا، على ضربين: أحدهما: ما كان [١١٧ / أ] معرفة قبل النداء، ثم نودي، فبقي على تعريفه، نحو: يا زيد، ويا عمرو. والثاني: ما كان نكرة، ثم نودي، فحدث فيه التعريف بحرف الإشارة، والقصد⁣(⁣١)، نحو: يا رجل. وكلاهما مبني على الضم، كما ترى.

  [قلت]: قوله: " فبقي على تعريفه"، نازعه جماعة، وقالوا: إذا ثبت أن (يا) حرف تعريف، ودخل على الاسم، وجب أن يزيل التعريف الذي كان له، ويحدث فيه تعريفا آخر، وهو موجب له. ألا ترى: أن قولك زيد، معرفة. فإذا ثنيته سلبته التعريف، وعرفته باللام، فقلت: الزيدان.

  ف (يا) في التعريف، كاللام.

  فكما لا يجتمع تعريف العلمية، مع التعريف باللام، فكذا لا يجتمع مع (يا). والدليل على أن (يا) حرف تعريف، امتناعهم من الجمع بينها وبين اللام، في نحو: يا الرجل، ويا الغلام.

  وأما بناء هذا النوع من المفرد، فإن الأصل في المنادى أن يكون منصوبا، لأنه في الحقيقة مفعول به، بدليل أن (يا) قائم مقام الفعل، والفعل مختزل. إذا قلت: يا زيد، فكأنك قلت: أناديه، وأدعوه. ألا ترى: أنهم يميلون (يا) والحروف لا تمال، لكن هذه أميلت، لقيامها مقام الفعل⁣(⁣٢)، ولأنك تعدّيه باللام الجارة، إذا قلت: يا لزيد. وهذا شأن الأفعال. فلما كان الأصل فيه النصب، وجب نصب المفرد المعرفة، كما وجب نصب المفرد المنكور، علمت أنه مفعول، لكنه بني لوقوعه موقع المبني. ألا ترى: أنك إذا قلت: يا زيد، كأنك قلت: يا أنت. و (أنت) مبني، فكذا ما وقع موقعه، وجب أن يكون مبنيا، وكان حقه السكون، لكنه حرك، لأنه قبل النداء، كان معربا.

  فلما صار إلى حالة البناء، حرّك، واختير الضم، دون الأخريين، لأن النصب حظه، إذا كان نكرة، والكسر، إذا كان مضافا إلى ياء المتكلم، نحو: {يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ}⁣(⁣٣)، فحرك بالضم، إعلاما أن هذه الحالة، غير الحالتين الأخريين. ونظير هذا (قبل) و (بعد) إنما حرّك بالضم، لأن النصب، والجر كانا يدخلانه، وهما معربان، نحو: من قبلك، وقبلك فضمّا لما ذكرنا.

  [قال أبو الفتح]: وأما النكرة، فمنصوبة ب (يا) لأنه ناب عن الفعل. ألا ترى: أن معناه: أدعو رجلا، أنادي رجلا، وقد ذكرنا [١١٧ / ب] هذا. وجاء معربا منصوبا لأنك، إذا قلت: يا رجلا، لم ترد واحدا بعينه. فلا يصح وقوعه موقع (أنت) إنما ناديت واحدا من هذه الأمة. فمن أجابك، كان المراد، كقول الأعمى: يا مارا، خذ بيدي. ثم ذكر أنّ المنادى المبني على الضم، إذا وصف جاز في وصفه، وجهان: النصب، حملا على الموضع. والرفع، حملا على اللفظ، كقولك:


(١) شرح اللمع - لابن برهان ١: ٢٧٩.

(٢) الكتاب ١: ٢٩١، وشرح اللمع - لابن برهان ١: ٢٧٢.

(٣) ٤٠: سورة غافر ٤١.