كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب النداء

صفحة 289 - الجزء 1

  والثالث: أنهم اختلفوا في وصف (أيّ) من قولك: يا أيها الرجل. فلم يجز سيبويه، في الرجل إلا الرفع⁣(⁣١). وأجاز أبو عثمان⁣(⁣٢): الرفع، والنصب. فقال، في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}⁣(⁣٣): لو قرأ واحد: يا أيها الناس، جائز. قال: لأن الناس صفة منادى مفرد، فجاز فيه: الرفع، والنصب، قياسا على قولهم: يا زيد الظريف. وهذا القياس، لا يصح، لأنه لو وقف في: يا زيد الظريف، على قولهم: يا زيد، ولم يذكر الظريف، جاز. ولو اقتصر على قولهم: يا أيها، دون الرجل، لم يجز، لأنه لا يتم، ولا يفيد. فاتضح الفرق بينهما.

  [فإن قلت]: فأنتم تقولون: لا يجمع بين (يا) وبين الألف، واللام، فلا يقال: يا الرجل. فما بالهم، قالوا في الدعاء: يا الله. فجمعوا بين الألف، واللام، وبين (يا)؟.

  [الجواب]: أنّ العرب، قد خصت لفظة (الله) بخمسة أشياء:

  [الأول]: أن يجوز الجمع فيه بين (يا) وبين الألف، واللام، بخلاف سائر الأسماء.

  [الثاني]: أنهم قطعوا همزة الوصل، مع الله، فقالوا: يا الله. ولم يقولوا: يا الله، كما قالوا: يا ابن فلان، ولم يقولوا: يا إبن فلان.

  [الثالث]: أنهم فخّموا لام لفظة الله، إذا كان [١١٩ / أ] قبلها فتحة، أو ضمة. نحو قولهم: إن الله غفور رحيم. والضمة، {مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ}⁣(⁣٤). فإن كان هناك كسرة، رققوا، نحو، بسم الله، وبالله، وعن الله.

  [الرابع]: أنهم قالوا في القسم: تا الله، فأدخلوا التاء، على هذه اللفظة، خاصة، دون غيرها.

  فلم يقولوا: تالرحمن، ولا تالرحيم.

  [الخامس]: أنهم قالوا في القسم: ها الله، ولم يقولوا ذلك في سائر الأسماء.

  فهذه اللفظة مخصوصة، بهذه الخمسة، على أنهم قالوا في قولهم: يا الله، إنما جاز الجمع بين (يا) وبين الألف، واللام، لأن الألف، واللام، هاهنا: بدل من همزة محذوفة، وهي فاء الفعل. لأن الأصل فيه (إله) لأنه في الأصل: أله، يأله، إلها. ف (إله) مصدر سمي به المفعول. كما أنّ (الكتاب) اسم للمكتوب، و (الخلق) اسم للمخلوق، و (الضّرب) اسم للمضروب. ف (إله) اسم للمألوه.

  فحذفت الهمزة، وعوّضت منه الألف، واللام، فأدغمت لام التعريف في اللام التي في (لاه) فقالوا: الله.

  قالوا: وجاز ذلك، أعني: يا الله، لأنّ (يا) إنما امتنعت من قولهم: يا الرجل، لأنها للإشارة.

  كما أن الألف، واللام للإشارة، والتعريف، فلم يجتمعا هناك، بخلاف: يا الله. ونظير ذلك، قولهم: الناس. وأصله: أناس، لأنه من الإنس، فحذفت الهمزة التي هي فاء الفعل، فصارت (ناسا) ثم أدخلت لام التعريف، بدلا من الهمزة، فقيل: الناس.


(١) الكتاب ٢: ١٩٥.

(٢) أي: المازني. ينظر: مجمع البيان ١: ٥٩.

(٣) ٢: سورة البقرة ٢١.

(٤) ٦: سورة الأنعام ١٢٤.