كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب النداء

صفحة 290 - الجزء 1

  وأما قولهم: اللهمّ، اغفر لي، في الدعاء، أيضا، فقد اختلفوا فيه. فذهب الخليل، وسيبويه⁣(⁣١) إلى أن الميم المشددة اللاحقة، في آخر الاسم، بدل من (يا) التي تكون للنداء. فلا فرق بين أن يقال: يا الله، وبين أن يقال: اللهمّ.

  وقال الفراء⁣(⁣٢): اللهم: أصله: الله أمّنا بخير. من: أمّه، يؤمّه، إذا قصده. فحذفوا الهمزة، فصار: اللهم. قال: والدليل على بطلان قولهم: جواز: يا اللهمّ، في الشعر. ولو كانت الميم، بدلا من (يا) لم يجتمعا. لأنه لا يجوز الجمع بين العوض، والمعوّض عنه.

  وهذا الذي ذكره، باطل، لأنا نقول: اللهم، أهلك الكافرين. ولو كان التقدير: الله أمّنا بخير، لوجب [١١٩ / ب] أن يقال: وأهلك الكافرين. ولأنه يقال: اللهم، اغفر لي. ولا يقال: اللهم، واغفر لي. ولأنه لو كان أصله: الله أمّنا بخير، فحذفت الهمزة، لجاز استعماله، أيضا. ألا ترى: أن شيئا، وضوءا، يقال فيه: شي، وضو، بحذف الهمزة، ومع ذلك، لا يمنع حذف الهمزة استعمالها، أيضا. فكذا، هاهنا.

  فأما قولهم في الشعر: يا اللهم، فإن الشاعر، إذا اضطر، جمع بين العوض، والمعوض منه. ألا ترى: أنّ (فما) أصله: فوه، بدليل قولهم: أفواه. فحذفوا الهاء، وعوضوا من الواو ميما، فقالوا: فم.

  ثم يجمعون بين الواو، والميم في ضرورة الشعر.

  [قال الشاعر]:

  ٢٩٦ - هما نفثا في فيّ، من فمويهما ... على الّنابح العاوي، أشدّ رجام⁣(⁣٣)

  فجمع بين الواو، والميم.

  أما نداء المضاف، نحو قولهم: يا غلامي، فالوجه فيه فتح الياء. فيقال: يا غلامي. لأن هذه الياء بإزاء الكاف للمخاطب. فكما أنّ كاف المخاطب، في نحو: غلامك، مفتوح، فكذا ينبغي أن يكون مفتوحا. ثم يجوز: يا غلامي، بإسكان الياء، لأن الياء أخت الألف. والألف لا تكون إلا ساكنة، وكذا الياء. وعلى هاتين اللغتين: إنّي أعلم، وإنّي أعلم. والوجه الثالث: أن تقول يا غلام، فتحذف الياء، وتجتزئ بالكسرة، لأن الكسرة: أصل الياء، والياء متولدة منها على ما بينا. وعلى هذا: {وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ}⁣(⁣٤) و {يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ}⁣(⁣٥) والوجه الرابع: أن تقول: يا غلاما، تبدل من الكسرة فتحة، فتنقلب الياء الفا، كما قالوا في (ناصية) ناصاة. وفي (جارية) جاراة، وفي (رضي) رضا.

  [قال الشاعر]:


(١) الكتاب ٢: ١٩٦.

(٢) معاني القرآن ١: ٣٠٣، ومجمع البيان ٢: ٤٢٧.

(٣) سبق ذكره رقم (٣٠).

(٤) ٤٠: سورة غافر ٤١.

(٥) ٤٣: سورة الزخرف ٦٨.