كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الحروف التي تنصب الفعل

صفحة 297 - الجزء 1

  فأما (أن) فعلى أربعة أقسام:

  [الأول]: أن تكون ناصبة للفعل المضارع. وهو مع الفعل، في تقدير المصدر، وذلك، كقولك: أريد أن تقوم؛ أي: أريد قيامك. قال الله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}⁣(⁣١)؛ أي: الصوم خير لكم.

  [الثاني]: أن تكون مخففة من الثقيلة. [قال الشاعر]: [١٢٣ / ب]:

  ٣٠٢ - ... ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل⁣(⁣٢)

  فقوله: أن هالك، في تقدير: أنه هالك، فحذف الهاء، وخففت (أنّ). و (أن) هذه، إذا دخلت على المضارع، يفصل بينها، وبين الفعل بالسين، أو سوف، أو حرف من حروف النفي.

  قال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى}⁣(⁣٣). والتقدير: أنه سيكون منكم مرضى. فاسمها مضمر. وهي مخففة من الثقيلة. وقال: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً}⁣(⁣٤). وقال: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}⁣(⁣٥).

  [الثالث]: أن تكون بمعنى (أي). قال الله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}⁣(⁣٦)؛ أي: امشوا. ولا يراد بالانطلاق، قطع المسافة، والمكان، وإنما يراد به الانطلاق في الكلام، والذهاب فيه. أي انطلقوا في الكلام، ولم يقبلوا قول محمد []. ثم قال: أن امشوا، أي امشوا. يعني: يقول: امشوا. ف (أن) بمعنى: يقول: كأنه، لما قال: انطلق الملأ منهم، قال: امشوا، واصبروا ف (أن) إذا كانت مفسرة، فسرت جملة بجملة. ومثله قوله: {وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ} (١٠٤)⁣(⁣٧)، كأنه يقول: يا إبراهيم؛ ف (يا إبراهيم) تفسير: ناديناه.

  [الرابع]: أن تكون أن زائدة، كقوله تعالى: {وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ}⁣(⁣٨)؛ أي: لما جاءت. وأن زائدة.

  [وأما لن]: فإنه ينصب المضارع، أيضا، كقولك: لن يقوم، وهي: نفي (سيفعل) أو (سوف يفعل). ولا يقتضي التأبيد، كما يدعي بعضهم⁣(⁣٩). والدليل عليه، قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}⁣(⁣١٠). ولو كان يقتضي التأبيد، لما ذكر معه (أبدا) إذ في ذكره دليل عليه. وقال: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}⁣(⁣١١)، فذكر معه (اليوم) وهو ضد التأبيد، إذ هو بالحال أولى.


(١) ٢: سورة البقرة ١٨٤.

(٢) عجز بيت من البسيط، سبق ذكره رقم (١٢١).

(٣) ٧٣: سورة المزمل ٢٠.

(٤) ٢٠: سورة طه ٨٩.

(٥) ٥: سورة المائدة ٧١، وقرأ برفع (تكون): أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف، واليزيدي، والأعمش. الكشف - للقيسي ١: ٤١٦، والبحر المحيط ٣: ٥٣٣، وإتحاف الفضلاء ٢٠٢.

(٦) ٣٨: سورة ص ٦.

(٧) ٣٧: سورة الصافات ١٠٤.

(٨) ١١: سورة هود ٧٧.

(٩) وهو: الزمخشري. الكشاف ١: ٤٨، وينظر: المغني ١: ٢٨٤.

(١٠) ٢: سورة البقرة ٩٥.

(١١) ١٩: سورة مريم ٢٦.