باب الحروف التي تنصب الفعل
  وزعم الخليل: أن (لن) أصله (لا أن) فحذفت الهمزة، حذفا، وكانت الألف ساكنة، والنون ساكنة، فحذفت الألف؛ لالتقاء الساكنين، فبقي (لن).
  قال سيبويه: قلت له: إذا كان أصله (لا أن) فلم جاز: زيدا لن أضرب، على تقدير: لن أضرب زيدا، ولم لا يجوز: أريد زيدا أن تضرب، على تقدير: أريد أن تضرب زيدا يعني: أنّ (لن) لو كان أصله (لا أن) لم يجز أن يتقدم عليه ما في [١٢٤ / ا] صلته، كما لم يجز ذلك في (أن). وقال المحتج(١) عن الخليل: يجوز ذلك، في (لن) وإن لم يجز، في (أن) لأن التركيب يحدث أشياء، لم تكن قبل التركيب.
  ألا ترى: أنّ (لو) تدخل على الفعل، وهي لامتناع الشيء، لامتناع غيره، فإذا ركبتها مع (لا) فهي لامتناع الشيء، لوجود غيره، وتدخل على الاسم، دون الفعل، كقولك: لو لا زيد لهلك عمرو.
  [وأما كي]: فهي على ضربين:
  [الأول]: أن تنصب الفعل، بنفسها، كقولك: جئتك: كي تقوم. قال الله تعالى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ}(٢). ف (كي) هاهنا، هي الناصبة، لدخول اللام عليها.
  [الثاني]: أن يكون (كي) حرفا من حروف الجر، كقولهم: كيمه؛ كما تقول: عمه، ولمه(٣).
  [وأما إذن]: فهي تعمل بشرائط:
  [الأولى]: أن تكون جوابا.
  [الثانية]: أن تكون في ابتداء كلامك.
  [الثالثة]: أن يكون ما بعدها مستقبلا.
  [الرابعة]: أن يكون ما بعدها، معتمدا عليها. وذلك قولك، في جواب قائل: آتيك، إذن أكرمك. (فإذن) جواب: آتيك. وهو في ابتداء كلامك. و (أكرمك) مستقبل، وهو معتمد على (إذن). و (إذن) هذه تلغى إذا بطلت إحدى هذه الشرائط. وذلك، قوله تعالى: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً} (٧٦)(٤).
  ونظير هذا (أظن، وبابها). وذلك، لأنها، إذا تقدمت المفعولين، أعملت؛ كقولك: ظننت زيدا قائما. وإذا توسطت، أو تأخرت ألغيت، كقولك: زيد، أظن، قائم، وزيد قائم، أظن.
  فكذلك، هاهنا، تقول: زيد، إذن، يقوم. وزيد يقوم، إذن.
  وقال قوم: إنّ (إذن) أصله (إذ أن)(٥) فحذفت الهمزة، حذفا، فقيل: اذن. وإن: هي الناصبة
(١) الكتاب ٥: ٣ وعنى ب (المحتج): من ذهب مذهب الخليل في تركيب (لن) وهو من الذين ذهبوا هذا المذهب.
(٢) ٥٧: سورة الحديد ٢٣.
(٣) الكتاب: ٣: ٦.
(٤) ١٧: سورة الإسراء ٧٦.
(٥) المغني ١: ٢٠.