كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الشرط وجوابه

صفحة 307 - الجزء 1

  أذهب. فاختلف الناس في جزم (أذهب) التي هي الجواب. فذهب سيبويه⁣(⁣١) إلى أنه منجزم ب (إن). وذهب المبرد⁣(⁣٢)، إلى أنه منجزم ب (إن) مع الشرط. وذهب أبو عثمان⁣(⁣٣) إلى أن: الشرط، والجزاء هما مبنيان على الوقف؛ وليسا مجزومين، وليس ل (إن) فيه تأثير. واحتج بأن الإعراب، في هذه الأفعال، عارض، وليس بأصل؛ وإنما يكون معربا، إذا وقع موقع الأسماء. فأما إذا لم يكن للاسم، هناك، موقع، - فلا يعرب الفعل إذ ذاك. وقد علمنا أنّ الاسم، لا مجال له في باب الشرط، والجزاء.

  فأما المبرد، فقد احتج: بأنّ الجزاء، لا يجيء إلا بعد (أن) مع الشرط. ومن المحال أن يحال بجزمه على (إن) وحدها. فكيف يدّعى فيه ذلك؟!.

  وأما سيبويه: فإنه يجزم الجواب بما يجزم به الشرط، كما رفع الاسم [١٢٨ / ا] ب (كان) ونصب الخبر به، ونصب الاسم ب (إنّ) ورفع الخبر به. وهذا، لأن (إن) يعقد الجزاء بالشرط، في المعنى. فوجب أن يكون للفظ فيه تأثير على ما كان من المعنى؛ لأن الشيء؛ إنما يعمل في الشيء على حسب معناه. و (إن) يقتضي الجزاء، كما يقتضي الشرط، فوجب أن يعمل فيه. والذي ذكره أبو عثمان، باطل، لما تقدم من أن الفعل المضارع؛ إنما أعرب لمضارعته الاسم. وهذا الفعل فيه حرف المضارعة، فوجب أن يكون معربا، غير مبني. وأما المبرد، فالذي ذكره، لا يصح؛ لأن الجمل لا تعمل في شيء، وإنما العمل للحروف في الأصل.

  [قال أبو الفتح]: وجواب الشرط، على ضربين: فعل مضارع، والفاء. فالفعل المضارع مجزوم، كما تقدم. وأما الفاء، فيكون مع ما بعده، في موضع الجزم؛ لكونه جوابا. قال الله تعالى:

  {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً}⁣(⁣٤). فقوله: {فَلا يَخافُ} في موضع الجزم. والتقدير: فهو لا يخاف. وقد قرئ: {فَلا يَخافُ}⁣(⁣٥)، بالجزم، وهو نهي الغائب، وليس بجواب الشرط. والدليل على أنه في موضع الجزم، قوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ}⁣(⁣٦)، في قراءة حمزة⁣(⁣٧).

  فلو لا أن قوله: {فَلا هادِيَ} في موضع الجزم، لم يجز: {وَيَذَرُهُمْ} ومثله، قوله: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ


(١) الكتاب ٣: ٦٢. وفيه: (واعلم أن حروف الجزاء تجزم الأفعال، وينجزم الجواب بما قبله).

(٢) المقتضب ٢: ٤٩.

(٣) الإنصاف (مسألة ٨٤) ٢: ٦٠٢.

(٤) ٧٢: سورة الجن ١٣.

(٥) وهي قراءة: يحيى بن وثاب، والأعمش: وإبراهيم. مختصر في شواذ القرآن ١٦٣، وإعراب القرآن - للنحاس ٣: ٥٢٤، وتفسير القرطبي ١٩: ١٧.

(٦) ٧: سورة الأعراف ١٨٦.

(٧) والكسائي، وأبي عمرو فيما ذكر أبو حاتم، وابن مصرف، والأعمش، وخلف. السبعة ٢٩٩، وإعراب القرآن - للنحاس ١: ٦٥٤، والحجة - لابن خالويه ١٦٧، والكشف - للقيسي ١: ٤٨٥، والتيسير ١١٥، ومجمع البيان ٢: ٣٠٥، وتفسير الرازي ١٦: ٣٢٦، والتبيان - للعكبري ١: ٢٩٠، وتفسير القرطبي ٧: ٣٣٤، والبحر المحيط ٤: ٤٣٣، والنشر ٢: ٢٧٣.