كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب التعجب

صفحة 309 - الجزء 1

  الصحيح الصريح، في نحو: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ}⁣(⁣١).

  فأما قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ٥ يَرِثُنِي وَيَرِثُ}⁣(⁣٢)، وقوله تعالى [١٢٩ / ا]: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (٦)⁣(⁣٣)، بالرفع، والجزم: فالرفع في الأول، على أنه صفة للولي. والجزم: جواب الدعاء.

  لأن المعنى: إن تهب لي وليا، يرثني. وأما الرفع في قوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} فإن الفعل في موضع النصب، على الحال؛ أي: لا تمنن مستكثرا، وهو قراءة السبعة.

  وأما الحسن، فإنه يجزم⁣(⁣٤): {تَسْتَكْثِرُ} وله وجهان: الأول: أن تكون جواب النهي، فجزم؛ لأن النهي قائم مقام الشرط. والوجه الثاني: أن {تَسْتَكْثِرُ}، كأنه وقف عليه؛ لأنه من الفواصل، فوّفق بينه، وبين قوله: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (٧)⁣(⁣٥)، فيما بعد {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (٥)⁣(⁣٦)، فيما قبل ذلك، والله أعلم.

باب التّعجب

  التّعجب يكون بلفظين: أحدهما: ما أفعله، والثاني: أفعل به.

  فالأول: قولك: ما أحسن زيدا. وقد اختلف الناس في (ما) هذه. فذهب سيبويه⁣(⁣٧) إلى أنّ (ما) هاهنا: نكرة. ومعناه: شيء. وهو مرفوع بالابتداء. وما بعده، جملة في موضع خبره. وذهب أبو الحسن⁣(⁣٨) إلى أنّ (ما) هاهنا، بمعنى (الذي) موصول، و (أحسن) صلته. وخبره مضمر. تقديره: الذي أحسن زيدا، موجود. ولم يستعمل إظهاره، كما لم يستعمل خبر المبتدأ الواقع، بعد (لو لا) في قولهم: لو لا زيد لهلك عمرو.

  وهذا الذي ذكره، ليس بصحيح؛ لأن (ما) إذا كانت موصولة، كانت معرفة. والتعجب إنما يكون في شيء مستبدع منكور، لا من شيء قد عرف، ووجد. واللائق به: شيء أحسن زيدا، وما يقوم مقامه (شيء).

  [فإن قلت]: هذا التقدير، لا يستتب⁣(⁣٩) لكم في جميع الأشياء. ألا ترى أنا نقول: ما أعظم الله، ولو قدرناه تقدير: شيء أعظم الله، كان كفرا.

  [الجواب]: قولنا: ما أعظم الله، وما أحسن زيدا، وغير ذلك؛ إنما هو تقدير. وفي الحقيقة، هذا (الشيء) هو هو، أو صفة فيه. لأنا إذا قلنا: ما أحسن زيدا، فالتعجب من كمال حسنه. وإذا قلت: ما أعظم الله، فالتعجب من كمال عظمته، وقدرته، على معنى أنّ هذا [١٢٩ / ب] الكمال،


(١) ٧: سورة الأعراف ١٨٦.

(٢) ١٩: سورة مريم ٥، ٦.

(٣) ٧٤: سورة المدثر ٦.

(٤) وكذلك جزم ابن أبي عبلة. مختصر في شواذ القرآن ١٦٤، ومجمع البيان ١٠: ٣٨٣، وإتحاف الفضلاء ٤٢٧.

(٥) ٧٤: سورة المدثر ٧.

(٦) ٧٤: سورة المدثر ٥.

(٧) الكتاب: ١: ٧٢.

(٨) الأصول ١: ١١٥، ١١٦، وابن يعيش ٧: ١٤٩.

(٩) أي لا يستقيم.