باب التعجب
  ليس في غيره، والكمال صفة له تعالى وتقدس، لا أنّ هناك: [شيئا](١) أعظمه. وذلك شيء مغاير له، فاعرفه.
  و (أحسن) في قولك: ما أحسن زيدا، فعل، عندنا(٢). وقال الفراء: هو اسم. قال: لأنه قد جاء فيه التصغير(٣)، لأنهم قالوا: ما أميلح زيدا، وما أحيسنه! [قال الشاعر]:
  ٣١٢ - يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا ... من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر(٤)
  وهذا الذي ذكره، ليس بحجة؛ لأن التصغير؛ إنما هو في الحقيقة، لاحق للفاعل؛ ولكنّه ألحق الفعل، لأن الفاعل كالجزء من الفعل، فتصغير الفعل، كتصغير الفاعل. والدليل على أنّ (أحسن) هاهنا، فعل، قولك: ما أحسنني، فتلحقه الضمير، على حد إلحاقها في الأفعال، دون الأسماء. ولو كان اسما لقيل: ما أحسني، كما تقول: غلامي.
  واعلم: أنه يزاد (كان) في باب التعجب، فتقول: ما كان أحسن زيدا. ويكون إعراب المسألة، بحالها إذا لم يكن فيها (كان) لأن (كان) كما قدمنا، يكون مثل [قول الشاعر]:
  ٣١٣ - ... ... على، كان، المسوّمة العراب(٥)
  ألا ترى أن (على) قد عمل في المسومة؛ فكذا هنا، لا يتغير الإعراب. فإن قلت: ما أحسن ما كان زيد، لم تكن (كان) زائدة؛ وإنما تكون تامة، كقوله تعالى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ}(٦).
  فيكون (ما) مصدرية، على تقدير: ما أحسن كون زيد؛ كقوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ}(٧). ف (ما) مصدرية. وتقديره: وكونهم جاحدين بآياتنا. فإن قلت: ما كان أحسن ما كان زيد. ف (كان) الأولى: زائدة. والثانية تامة. و (ما) مصدرية، على ما تقدم.
  واللفظ الثاني، من لفظي التعجب: أفعل به.
  قال الله تعالى: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} وقال في موضع آخر: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ}(٨). فمعنى هذا: ما أسمعهم، وما أبصرهم!. فالجار، والمجرور، في موضع الرفع لأنه فاعل. [قلت] ولهذا لم يثنّ، ولم يجمع، ولم يؤنث حين قلت: يا زيدان، أجمل بعمرو، ويا هند أجمل بزيد، لأن المعنى:
(١) في الأصل: شيء
(٢) أي: عند البصريين. ينظر: الإنصاف (مسألة ١٥) ١: ١٢٦.
(٣) الإنصاف ١: ١٢٧.
(٤) البيت من البسيط، نسب لعدة شعراء، منهم: العرجي، في ديوانه ١٨٣، كما نسب إلى مجنون ليلى، وذي الرمة، والحسين بن مطير، وهو بهذه النسب المختلفة.
وبلا نسبة في: الإنصاف ١: ١٢٧، والأشموني ٤: ١٦٧، والمغني ٢: ٦٨٢، وشافية ابن الحاجب ١: ١٩٠، ٢٨٠، ٢٨٩، وهمع الهوامع ١: ٢٦١، ٢٦٣، ٥: ٥٤، ٦، ١٥١، والخزانة ١: ٩٣، ٩٦، ٩٧، ٩: ٣٦٣، والتاج (ملح) ٧: ١٥٠.
(٥) عجز بيت من الوافر، سبق ذكره رقم (١٠١).
(٦) ٢: سورة البقرة ٢٨٠.
(٧) ٧: سورة الأعراف ٥١.
(٨) ١٨: سورة الكهف ٢٦.