باب ما ينصرف وما لا ينصرف
  [قال أبو الفتح]: ومتى انضم إلى التعريف، سبب آخر، فإنهما يمنعان الصرف؛ لأن المعرفة فرع على النكرة، لما ذكرنا، كما أن الفعل فرع على الاسم.
  [قلت]: ومتى انضم إلى التأنيث سبب آخر، فإنهما يمنعان الصرف. وذلك لأن التأنيث فرع على التذكير، كما أن الفعل فرع على الاسم. فحصلت الشبهية، فمنع الصرف. والدليل على أنّ المؤنث فرع على المذكر، والمذكر أصل [١٣٦ / ب] هو أنه: ما من مؤنث إلا ويجوز تذكيره.
  قال الله تعالى: {فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ}(١).
  وكذلك، أيضا، قال: {وَقالَ نِسْوَةٌ}(٢)، وغير ذلك من الآيات. ويحسن ذلك، فعلم بهذا أن المذكر أصل. والمذكر قط، لا يؤنث؛ لأن ذلك قبيح، على أنهم قالوا:
  ٣٢٢ - ... ... ... ما هذه الصّوت(٣)
  وهو في غاية القبح. ولكن حملوه على المعنى(٤). ومع ذلك لا يحسن. والدليل على أن المؤنث فرع على المذكر، هو أن أصل كل شيء، إنما هو لفظة (شيء) وهو مذكر. والدليل عليه، أيضا، هو أنك تقول في المرأة: قائمة، وقاعدة. فعلامة التأنيث، إنما يكون هو التاء، والتاء، هاهنا، بمنزلة زيادة، لأنها بمنزلة اسم ثان ضم إلى الأول. والدليل على أنه بمنزلة اسم ثان، وأنّ التاء بمنزلة الزيادة انفتاح ما قبلها؛ وانفتاح ما قبلها، يدل على أنه كان كالزيادة، بمنزلة (بعلبكّ) لأن الثاني اسم ضم إلى الأول، وجعلا شيئا واحدا، فكذلك، أيضا، علامة التأنيث، لمّا كانت كالزيادة، علمنا بهذا أن المؤنث ليس بأصل. وإنما الأصل هو المذكر، لأن علامة المؤنث كالزيادة، والمذكر، لا يحتاج إلى علامة؛ والتأنيث المعتبر في منع الصرف، إنما هو التأنيث الذي تكون علامته هاءا، أو ألفا مقصورة، أو ممدودة. فأما التأنيث الذي دخل للفرق، بين المذكر والمؤنث، فإنه لا يمنع الصرف، فإنه إنما دخل للفرق، وهو قولك: قاعدة، وقائمة؛ لأن هذا، إنما كان للفرق بين المذكر، والمؤنث. فالأسماء المؤنثة على ضربين: مؤنث بعلامة، ومؤنث بغير علامة. والعلامة على ضربين: هاء، وألف. وكل اسم فيه هاء التأنيث، فإنه لا ينصرف، معرفة؛ وينصرف نكرة، مثل: طلحة، وحمزة: تقول: رأيت طلحة، وطلحة آخر، وحمزة، وحمزة آخر. وإنما لم ينصرف، معرفة؛ لاجتماع السببين: التعريف، والتأنيث. أما ألف التأنيث، فعلى ضربين: ألف مفردة، نحو: حبلى، وسكرى، وجمادى، وحبارى. وألف وقعت بعد ألف زائدة؛ فحركت لالتقاء الساكنين، فانقلبت [١٣٧ / أ] همزة، وذلك نحو: صحراء، وحمراء، وأصدقاء. فقوله: صحراء، أصله: صحرا، كسكرى. إلا أنهم زادوا فيها ألفا آخر، لمد الصوت، فقالوا: صحراا، فوقعت ألفان
(١) ٢: سورة البقرة ٢٧٥.
(٢) ١٢: سورة يوسف ٣٠.
(٣) هذه قطعة بيت من البسيط، وهو بتمامه:
يا أيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد: ما هذه الصّوت
وهو لرويشد بن كثير الطائي، في ديوان الحماسة ١: ٤٧، والتاج (صوت) ٤: ٥٩٧.
وبلا نسبة في: الخصائص ٢: ٤١٦، والإنصاف ٢: ٧٧٣.
(٤) أي: أراد الشاعر: ما هذه الضوضاء، والجلبة، والصياح. التاج ٤: ٥٩٨ (صوت).