كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ما ينصرف وما لا ينصرف

صفحة 326 - الجزء 1

  الواحد. و (قفزان) ينصرف، كقرطان. والقرطان: طنفسة تلقى على ظهر البعير. و (قتلى) إذن، كعطشى: لا ينصرف؛ لأن الواحد الذي على وزنه، أيضا، لا ينصرف إلا ما كان من الجمع على مثال: مفاعيل، ومفاعل، فإنه لا ينصرف، معرفة، ولا نكرة. وذلك، لأنه جمع، ولا نظير له من الآحاد. فكأنه جمع مرتين، فلا ينصرف؛ لاجتماع السببين، وهو كونه: جمعا، وكونه: لا نظير له من الآحاد كأنه جمع من وجه آخر.

  فافترق هذا الجمع، وغيره من الجموع التي لها نظير في الآحاد، فلم ينصرف، معرفة ولا نكرة. والأصل في هذا أن يبقى بعد الألف حرفان خفيفان، أو حرف مشدد، مثل (دوابّ) و (مخادّ) و (دنانير). الأصل فيه (دوابب) و (مخادد) فإن كان فيه هاء التأنيث، لم ينصرف، معرفة، وانصرف نكرة، نحو (صياقلة) لأن له نظيرا من الآحاد، وهو (كراهية)⁣(⁣١) فإن كانت لامه معتلة، انصرف في الرفع، والجر؛ لنقصانه، ولم ينصرف في النصب؛ لتمامه. تقول: هؤلاء جوار، وغواش.

  ومررت بجوار وغواش. ورأيت جواري، وغواشي.

  قال أبو علي: أصله جواري، فتحذف الياء؛ لأن الياء تحذف حذفا⁣(⁣٢)، كما قال الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ} (٤)⁣(⁣٣)، و: {ما كُنَّا نَبْغِ}⁣(⁣٤)، وغير ذلك من المواضع. فلما حذفت الياء، نقص الاسم، فعوض منه التنوين. فقيل (جوار). قال: فحذف الياء، فنقص الاسم، وانصرف. ولم يثقل حتى لا ينصرف. فأما في حالة النصب. فإن الياء تعود، فمنع الصرف.

  وقال الزجاج: ليس كذلك. لأن أصله: جواري. قال: فحذفت الحركة من الياء للاستثقال.

  فلما حذفت الحركة، أبدل من الحركة التنوين. فلما دخل التنوين، التقى ساكنان، فحذفت الياء، لالتقاء الساكنين.

  [قلت]: هذا باطل. وذلك [١٣٩ / ب] لأنا نرى كثيرا من الحركات، تحذف ثم لا يعوّض منه التنوين. والدليل عليه قولهم: يغزو، ويرمي. وأصله: يغزو، ويرمي. ثم إن الحركة تحذف، ولا تبدل منه التنوين. فكذلك، هاهنا.

  [فإن قلت]: ليس هذا ك (يغزو) و (يرمي) وذلك لأنه فعل. والأفعال لا يدخلها التنوين، بخلاف هذا.

  [الجواب]: قلنا: إنما لا يدخل (يغزو) و (يرمي) التنوين الذي للفرق بين ما ينصرف، وبين ما لا ينصرف. وهذا التنوين الذي يبدل من الحركة، يدخل الفعل، فكان من الواجب أن يدخل هذا الفعل، بحذف الحركة. فلما لم يدخل، علمنا بهذا أن التنوين، لا يبدل من الحركة.

  [والعجمة]: ومتى انضم إليه، سبب آخر، فإنهما يمنعان الصرف، لأن العجمة فرع على العربية. كما أن الفعل فرع على الاسم. وهو على ضربين: أحدهما: ما يدخله الألف واللام:


(١) يعني: أن لفظة (كراهية) وهي مفرد على زنة (صياقلة) وهي جمع.

(٢) المقتصد ٢: ١٠٢٨.

(٣) ٨٩: سورة الفجر ٤.

(٤) ١٨: سورة الكهف ٦٤.