كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ما ينصرف وما لا ينصرف

صفحة 325 - الجزء 1

  وأما (آخر) فإنه لا ينصرف. قال الله تعالى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ}⁣(⁣١) وقال [١٣٨ / ب] الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}⁣(⁣٢). وإنما لم ينصرف، لأنه صفة، ولأنه معدول. ووجه عدله، أنه على وزن (فعل) و (فعل) إذا كان صفة، كان معه لام التعريف، نحو: الصّغر، والكبر، والفضل.

  فلما لم يستعمل اللام مع (أخر) كان معدولا عن الآخر⁣(⁣٣).

  [فإن قلت]: فقد ذكرتم أن العدل أن تلفظ ببناء، وأنت تريد آخر. وأنت، إذا قلت: مررت بنسوة أخر، وزعمت أن (أخر) معدول عن (الآخر) لم يصح، لأنه صفة للنكرة. وإذا كان صفة للنكرة، لم يرد به (الآخر) لأن النكرة لا توصف بالمعرفة. فما وجه ذلك؟.

  [قلت]: إن (أخر) لما كان صفة، قدّر فيه الألف، واللام؛ قياسا على نظائره. ولما كان ما قبله نكرة، لم يقدر فيه اللام. ويجوز أن يكون الشيء مقدرا، من وجه، مطّرحا من آخر؛ كالباء في: مررت بزيد، واللام في: لا أبا لك. وما أشبه ذلك. وهذا ما ذكره أبو علي⁣(⁣٤)، وهو أقرب ما قالوا في منع صرف (أخر). ومع ذلك، ففيه نظر. لأن ما كان مطّرحا من وجه، مقدرا من وجه آخر، إنما يكون فيما هو ملفوظ به. واللام في (الآخر) غير ملفوظ به، بخلاف: لا أبالك، ومررت بزيد. ولعل صاحب اللمع، أراد هذا، حين قال: إنّ (أخر) لم ينصرف، لأنه صفة، ولأنه معدول عن (آخر) من كذا. وذلك، لأنك، إذا قلت: مررت بنسوة أخر، فإنه في المعنى: مررت بنسوة أخر من نسوة غيرهن. ف (آخر) من كذا، هو: أفعل منه. و (أفعل) إذا ذكرت معها (من) كان في المفرد، والجمع، والتأنيث، على وجه واحد.

  فزعم أن (أخر) يراد به: آخر من كذا، كما تقول: مررت بنسوة أفضل من زيد. أو: مررت بنسوة الفضل. وهذا الذي ذكره ابن جني، حسن، وإن لم يسبق إليه. فاعرفه. وإذا كان كذلك، لم يصح قول من قال في قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}⁣(⁣٥): إنّ (منهم) هاهنا، على حد ما في قولهم: الزيدون، القوم، أفضل منهم، ألا ترى أن (أفضل) لم يجمع حين استعملت معها (من).

  وفي الآية، قد جمع (آخرين) فثبت أن (منهم) على غير هذا الحد، وإنما هو للتبيين.

  [والجمع]: اعلم أنه، إذا انضم إلى الجمع سبب آخر، من هذه الأسباب، فإنهما [١٣٩ / ا] يمنعان الصرف. لأن الجمع فرع على الواحد، كما أن الفعل فرع على الاسم. وحكم الجمع كحكم الآحاد، ويجري مجراها. فإن كان جمع وله نظير من الآحاد، على وزنه منصرف؛ فإن الجمع، أيضا، لا ينصرف بكل حال، ك (رجال) ف (رجال) ككتاب، ينصرف لانصراف


(١) ٣: سورة آل عمران ٧.

(٢) ٢: سورة البقرة ١٨٤.

(٣) الكتاب ٣: ٢٢٤، وفيه: (قلت فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؟ فقال (أي الخليل): لأن أخر خالفت أخواتها وأصلها؛ وإنما هي بمنزلة: الطول، والوسط، والكبر، لا يكنّ صفة إلا وفيهن ألف ولام، فتوصف بهن المعرفة).

(٤) المقتصد ٢: ٨٠٩، وفيه: (نحو: لا أبا لزيد، فالأب منصوب ب (لا) واللام مقحمة غير معتد بها من جهة إثبات الألف في (الأب). ومن جهة تهيئة الاسم لعمل (لا) فيه، معتد بها). وينظر: نفس المصدر ٢: ٨١٠.

(٥) ٦٢: سورة الجمعة ٣.