باب القسم
  تقول: وك، ولا غير ذلك؛ لأنها تختص بالمظهرات. وإنما كان كذلك؛ وذلك لأن الواو بدل عن الباء. والبدل أحط درجة من المبدل منه. فإذا كان المبدل منه داخلا على المظهر، والمضمر؛ فالبدل وجب أن يختص بأحدهما.
  ويجوز إظهار الفعل، مع الباء. فتقول: حلفت بالله. ولا يجوز إظهاره مع البدل الذي هو الواو. فلا تقول: حلفت والله؛ وذلك لأنها بدل. وليس للبدل أن يكون مستوعبا لجميع الأشياء التي تختص بالمبدل منه. والتاء بدل عن الواو؛ ولهذا اختص بلفظ الله تعالى؛ لأنه بدل من بدل من الأصل؛ فكان أدنى درجة منهما.
  واعلم أن القسم قد يركّب من فعل، وفاعل، وقد يركب من مبتدأ، وخبر. أما إذا كان مركبا من فعل، وفاعل، فهو قولهم: بالله، لأقومنّ. فتقديره: حلفت بالله، لأقومنّ. وقوله: حلفت: خبر، لأنه جملة من فعل، وفاعل؛ وإنما ذكرت هذا الخبر؛ لتؤكد خبرا آخر، وهو قولك: لأقومنّ.
  وأما إذا كان مركبا من مبتدأ، وخبر، فهو قولك: لعمرك إن زيدا قائم. لعمرك: رفع بالابتداء.
  وخبره محذوف، وتقديره: لعمرك قسمي. فحذفت الخبر لطول الكلام؛ لأن طول الكلام، صار عوضا عن خبر المبتدأ، على ما ذكر في كتاب اللمع.
  وتحذف الفعل، والفاعل من قولك: بالله، لأخرجنّ؛ لأنهم استغنوا بهذه الكلمة عن الفعل، والفاعل. [١٥٠ / أ] لأن هذه اللفظة، وهو قوله: بالله، تدل عليه. والأصل في هذا كله: أحلف بالله، وأقسم بالله. ولكن حذف الفعل، تخفيفا، في أكثر المواضع.
  واعلم أن جواب القسم، على ضربين: أحدهما: أن يكون مثبتا، والثاني: أن يكون منفيا. فإن كان مثبتا: فإنك تدخل على جواب القسم (إنّ) أو (اللام) وكلاهما للإيجاب. وإنما تفعل هذا، تحقيقا للإثبات. وإن كان منفيا، فإنك تدخل على جوابه (ما) أو: (لا). وكلاهما للنفي. فإن تعرى الجواب عن هذه الأشياء الأربعة التي يجاب بها في الإثبات، وفي النفي؛ فإنك تحملها على النفي. فتقول: والله أفعل، فتحمله على النفي. والتقدير: والله، لا أفعل. وإنما فعلت هكذا؛ وذلك لأنه يحمل على الإثبات، لأن الذي للإيجاب، إنما هو (إنّ) و (اللام). ولا يجوز إضمارهما، لأنهما للتأكيد؛ والتأكيد ضد الإضمار، فتحملهما على النفي، لأن حروف النفي قد تحذف، وقد تضمر لطول الكلام به. وهذا هو تفسير قوله: وربما حذفت (لا) وهي مرادة، لأنه حملها على النفي.
  والدليل على صحة هذا قول امرئ القيس على ما ذكر في الكتاب(١).
  فإن حذفت حرف القسم؛ نصبت الاسم، بعده بالفعل المقدر. تقول: الله، لأقومنّ. أباك، لأنطلقنّ. وإنما تنصبه لأن حرف القسم الذي هو الباء، يعدي الفعل إلى المفعول. لأنك تقول: مررت بزيد. فإذا حذفت حرف الجر الذي هو الباء، تعدّى الفعل إلى المفعول بنفسه، وتنصبه
(١) الكتاب ٣: ٥٠٤. وبيت امرئ القيس هو
فقلت: يمين الله، أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
أي: لا أبرح قاعدا؛ حذفت (لا) لطول الكلام