باب القسم
  تقديرا. والدليل عليه [قول امرئ القيس]:
  ٣٣٦ - فقالت: يمين الله، ما لك حيلة ... ... (١)
  أي: بيمين الله. ومن العرب من يجر اسم الله تعالى، وحده، عند حذف حرف الجر؛ وذلك لكثرة الاستعمال، وليس بالقياس. وتقول: ها الله، أصله: إي آ الله، فأبدلت من الهمزة هاء. لأن الهاء قد تبدل من الهمزة، على ما قالوا: هرقت، وأرقت؛ فكأن الهاء صارت بدلا، عن الواو تقديرا، حيث لم يجتمع الهاء مع الواو، وذلك في الاستفهام، وهو قولهم: آ الله، صارت همزة الاستفهام عوضا عن الواو، على ما سبق كذلك في القسم [١٥٠ / ب] جرّت القسم، لأنها صارت بدلا من الواو، على ما سبق بيانه.
  تقول: من ربّي، ومن ربي. أصله: بربي. ومعناه: بحق ربي، فأقيمت (من) مقام الباء؛ لأنه على أصلنا: الحروف الجارة بعضها يقام مقام بعض. فأقيمت (من) مقام الباء. وهذا مذهب سيبويه(٢).
  وأما قوله: من ربي، قال: فهو أيضا: من ربي؛ إلا أنه ضمّ، وغيّر عن أصله، لأن في باب القسم كثيرا، ما يغيّر الأشياء عن أصولها. وقال أبو بكر السراج(٣): ليس كذلك، وذلك لأن أصله: أيمن ربي. قال: فحذفت الألف، لأنها ألف وصل. قال: فلما حذفت الألف، حذف معها الياء؛ لأن الياء ساكنة، ولم يمكن النطق بها، فحذفت، فبقي قوله: من ربي. وقال الفراء: أيمن: جمع يمين. وهذا باطل. وذلك لأنه، لو كان جمع يمين، لكانت الألف في الجمع للقطع. وهذه الألف، بالإجماع، للوصل. فإن حذفت اللام من قولك: لعمرك؛ نصبت على ما تقدم، فتقول: عمرك لا قمت. وهذه اللام لام الابتداء، ويستحيل أن يقال: لام القسم؛ لأن القسم، لا يدخل على القسم.
  وقوله: عمرك الله، الأصل: أن يقال: عمّرتك الله تعميرا. ولكنهم مما يستغنون بالمصدر عن الفعل، فحذفوا الفعل. فلما حذفوا الفعل، بقي قوله: تعميرا. فحذفوا الزيادة من قوله: تعميرا، وبقي: عمرك الله؛ لأنهم مما يحذفون الزيادة من المصادر. ولهذا قالوا في الإعطاء: عطاءا [قال الشاعر]:
  ٣٣٧ - ... ... وبعد عطائك المئة الرّتاعا(٤)
(١) البيت من الطويل، وعجزه:
... وما إن أرى عنك الغواية تنجلي
وهو في: ديوانه ١٤٨.
(٢) الكتاب ٣: ٤٩٩.
(٣) الأصول ١: ٥٢٤.
(٤) البيت من الوافر، للقطامي، وصدره:
أكفرا بعد رد الموت عني ...
وهو في: ديوانه ٣٧، واللسان (عطا) ١٥: ٦٩، والخزانة ٨: ١٣٦، ١٣٧.
وبلا نسبة في: الخصائص ١: ٢٢١، وابن عقيل ٢: ٩٩، وشرح شذور الذهب ٤١٢.