باب الصلة والموصول
  الجمل نكرات. والنكرات لا تجري وصفا، على المعارف [١٥٢ / ب]، لما ذكرنا، من أن التعريف، والتنكير ضدان. فلما لم يجز: مررت بزيد كريم؛ على الوصف. لم يجز: مررت بزيد أبوه قائم، ولا: مررت بزيد قام أبوه؛ على الوصف. فجيء ب (الذي) توصلا إلى وصف زيد، ونظائره بهذه الجملة. فقالوا: مررت بزيد الذي قام أبوه، ومررت بزيد الذي أبوه قائم. لأن (الذي) معرفة بالصلة. وفي لفظه لام التعريف؛ فكان مطابقا للموصوف؛ لدخول اللام عليه، فصار موافقا للموصوف.
  [فإن قلت]: ولم لم تكن تلك الوصلة، ب (من) و (ما) و (أيّ) وكانت (بالذي)؟.
  [الجواب]: أنّ (الذي) على ثلاثة أحرف، فكانت موافقة للصفات. مثل: العمي، والشّجي، وخدلة، وصعبة. فلم تكن تلك الوصلة (بمن) و (ما) لنقصان عدتهما عن الصفات؛ إذ هما على حرفين.
  [فإن قلت]: (فأيّ) على ثلاثة أحرف؛ فلم لم تكن الوصلة بها؟
  [الجواب: أنّ] (أيا) تكون أبدا مضافة، فلم يكن للام التعريف عليه سبيل. لأن لام التعريف، والإضافة لا يجتمعان. فلما كان كذلك؛ لم يجز: مررت بزيد (الأيّهم) في الدار، كما جاز: مررت بزيد الذي في الدار؛ ولأن الإضافة تكسب التعريف. والصفة، إنما تكون بالأفعال، ومما اشتق منها؛ فلم يكن ذلك مناسبا للإضافة.
  واعلم أنّ هذه الأسماء، لا تتم معانيها إلا بما بعدها، بصلات توضحها، وتخصصها. ولا تكون صلاتها إلا الجمل، والظروف. وقد تكون الصلة جملة، من: مبتدأ، وخبر. [أو] جملة من: فعل، وفاعل. أما كون الجملة، من فعل، وفاعل، فقولك: مررت بالذي قام أبوه (فقام) فعل، و (أبوه) فاعله. وهما من صلة (الذي). وأما المبتدأ، والخبر، فقولك: مررت بالذي أبوه قائم، كذلك.
  واعلم، أنه لا بد في الصلة من ضمير، يعود إلى الموصول، فتقول: جاءني الذي قام أبوه.
  فتأتي بالهاء؛ لتعود إلى الموصول، وهو (الذي). ولو قلت: جاءني الذي قام زيد؛ لم يكن فيه فائدة. وما لا فائدة فيه، ملغى مطّرح في كلام العرب. فلهذا، قلنا: لا يجوز.
  [فإن قلت]: أنتم تقولون: إنّ الصلة تحتاج إلى ضمير يعود [١٥٣ / أ] إلى الموصول، وقد قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ}(١)؛ (فالذي) هو موصول. وقوله: إله: رفع بالابتداء. وفي السماء: خبره، وهو صلة (الذي) ولا ضمير في الصلة يعود منها إلى الموصول.
  [الجواب]: تقديره: وهو الذي هو إله في السماء. فالضمير مضمر، وهو: هو.
  واعلم، أن الصلة، لا تكون إلا جملة خبرية، تحتمل الصدق، والكذب. فتقول: جاءني الذي قام أبوه. ولا يجوز أن تقول: جاءني الذي هل قام أبوه؛ لأنه استفهام. والاستفهام لا يحتمل الصدق، والكذب.
(١) ٤٣: سورة الزخرف ٨٤.