كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الصلة والموصول

صفحة 351 - الجزء 1

  اللام يؤوّل الكلام فيه، فيجري في اللفظ، على وجه التأويل. ألا ترى أنك تقول: مررت بامرأة حسنة الوجه؛ فتؤنث (الحسن) لجريه على المرأة. والحسن في المعنى للوجه. فكذلك يجري اسم الفاعل على الرجل، وهو للأبوين. و (بالذي) لا يجوز هذا المعنى.

  وهذا يبين لك: أن الألف، واللام، في صورة الحرف، وهو في معنى الاسم، وليس بخلف عنه. وهذا الفصل ذكره أبو الفتح، مرموزا، في قوله: ونظرت إلى القائم أخوه؛ أي: الذي قام أخوه. وعجبت من الجالسة أخته؛ أي: من الذي جلست أخته. قال الله تعالى: {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ} [١٥٤ / أ] {الظَّالِمِ أَهْلُها}⁣(⁣١)؛ أي: التي ظلم أهلها. وهذا أصل كبير بين النحويين، بنى النحويون عليه مسائل جمة. وذلك أنهم يقولون في الجمل، نحو: زيد منطلق، وقام زيد: أخبر عن زيد، وأخبر عن منطلق (بالذي) ونحو ذاك. وأخبر عنه بالألف، واللام.

  ويعنون بهذا الكلام: انزع زيدا من موضعه، وأقم مقامه، ضميرا يعود إلى (الذي) واجعل زيدا خبرا عن (الذي) فإذا قلت: زيد منطلق، وأردت أن تخبر عن زيد (بالذي) قلت: الذي هو منطلق زيد. فتأتي (بالذي) في أول الكلام، وتضع موضع زيد، ضميرا يعود إلى (الذي) وتجعل منطلقا خبرا لذلك الضمير. والضمير مع خبره صلة الذي. وزيد: خبر الذي مع صلته.

  وإذا قيل لك: أخبر عن: منطلق؛ قلت: الذي زيد هو منطلق. فتضع موضع منطلق، ضميرا يعود إلى (الذي). وتجعل منطلقا، خبرا عن (الذي).

  وإذا قيل لك: أخبر عن الضمير في: منطلق؛ فإنه لا يمكن أن تخبر عنه؛ لأنك تقول: الذي زيد منطلق هو هو. فيكون هو الأول: إما أن يرجع إلى (زيد) أو إلى (الذي). وإلى أيهما رجع احتيج إلى (هو) أخرى؛ فلا يجوز. وأما (هو) الثانية، فهو الخبر؛ فامتنع من أجل هذا.

  وتقول: زيد ضربته. فإن أخبرت عن زيد بالذي؛ قلت: الذي هو ضربته زيد. فالذي: مبتدأ. وهو: ابتداء. وضربته: خبر هو. والهاء يعود إلى (هو) وزيد: خبر الذي. وهذه الهاء، أعني الهاء في: ضربته، كان قبل دخول الذي، يعود إلى: زيد، وهو الآن، يعود إلى (هو). فهذا معنى قول فارسهم: فخيّرت ما في (ضربته) من الضمير. يعني: كان قبل (لزيد) وهو الآن، (لهو)⁣(⁣٢).

  وإنما قلنا: الذي هو ضربته زيد، ولم نقل: الذي ضربته زيد؛ لأنك إذا قلت: الذي ضربته زيد؛ كان قبل الذي ضربت زيدا؛ فأدخلت (هو) هاهنا؛ لتفرق بين هذا، وبين ذاك.

  وتقول: ذهب عمرو. فإذا قيل لك: أخبر عن عمرو، بالألف، واللام، قلت: الذاهب عمرو.

  فالألف، واللام: مبتدأ. وذاهب. صلة له. وفيه ضمير يعود إليه. وعمرو: الخبر. وتقول في الذي: الذي ذهب عمرو. فالإخبار بالذي يجوز في [١٥٤ / ب] كلتا الجملتين: الاسمية، والفعلية.

  والإخبار بالألف، واللام، يختص بالفعلية. وهذا الباب يشتمل على أربعة عشر وجها:

  [الأول]: المبتدأ، والخبر. وقد ذكرنا.

  [الثاني]: الفعل، والفاعل، نحو: ذهب عمرو. وقد ذكرنا.


(١) ٤: سورة النساء ٧٥.

(٢) المقتصد ١: ٢٦٤.