باب الصلة والموصول
  تعالى: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ}(١). وقوله: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً}(٢)، فيمن رفع (آية) وأنث (تكن)(٣) على ضمير القصة.
  فإذا أوقعته في آخر الكلام، ولم تفسره بجملة بعدها، خرجت عن كلامهم، وتركت التفسير. وتقول: ضربي زيدا قائما. فإن أخبرت عن زيد، قلت: الذي ضربيه قائما زيد. وإن شئت: الذي ضربي إياه قائما زيد؛ فتفصل الضمير. لأن ضربي: اسم؛ فيجوز معه وصل الضمير، وفصله بخلاف الفعل. وإن أخبرت عن ضربي، وقلت: الذي هو زيدا قائما ضربي؛ لم يجز؛ لأن ضمير المصدر، لا يعمل عمل المصدر، فلا ينصب زيدا. وقد ذكرنا، أن قولهم: مروري بزيد حسن، وهو بعمرو قبيح؛ فتعمل هو، لا يجوز هذا؛ لأن ضمير المصدر، يخالف المصدر. وإن أخبرت عن قائم، وقلت: الذي ضربي زيدا إياه قائم؛ لم يجز؛ لأن الحال لا تكون [إلا](٤) نكرة.
  والمضمر أعرف المعارف، فلا يقع موقع الحال. ولهذا لم يجز: جاء زيد مسرعا، وخرج زيد إياه.
  فهذا مختصر من أصل طويل، وددت أن أعلمك بعضه، لتستدلّ به على شرف هذا العلم.
  ولنعد إلى كتاب اللمع؛ فنقول: وتقول: لأضربنّ أيّهم قام صاحبه. اعلم أن (أيّا) على أربعة أقسام:
  [الأول]: أن يكون بمعنى (الذي) كقولك: لأضربن أيّهم قام. (فأيّهم) بمعنى: الذي [١٥٧ / أ]، وهو موصول بقام قال الله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}(٥). فأيّهم: بمعنى: الذي، وهو مرفوع، لأنه بدل من الضمير في: يبتغون؛ أي: يبتغي الوسيلة الذي هو أقرب. وهو محذوف من الصلة، كما جاء في قوله: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ}(٦)؛ أي: هو أشدّ.
  [الثاني]: أن يكون (أيّ) استفهاما، ويعمل فيه ما بعده، كقوله تعالى: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(٧)؛ أي: أيّ انقلاب. فأيّ: منصوب ب (ينقلبون)، نصب المصادر، ولا ينتصب ب (سيعلم)؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام.
  [الثالث]: أن تكون (أيّ) شرطا، وجزاءا، كقوله: {أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}(٨)، وقد تقدم ذلك مشروحا.
(١) ٢٢: سورة الحج ٤٦.
(٢) ٢٦: سورة الشعراء ١٩٧.
(٣) وهما: ابن عامر، والجحدري، السبعة ٤٧٣، والحجة - لابن خالويه ٢٦٨، وحجة القراءات ٥٢١، والكشف ٢: ١٥٢، والتيسير - للداني ١٦٦، وتفسير التبيان ١: ٦٠، ومجمع البيان ٧: ٢٠٣، والكشاف ٣: ١٢٨، وتفسير الرازي ٢٤: ١٦٩، والتبيان - للعكبري ٢: ١٧٠، وتفسير القرطبي ١٣: ١٣٩، والبحر المحيط ٧: ٤١، والنشر ٢: ٣٣٦، وإتحاف الفضلاء ٣٣٤.
(٤) الأصل بياض، و (إلا) يقتضيها السياق.
(٥) ١٧: سورة الشعراء ٥٧.
(٦) ١٩: سورة مريم ٦٩.
(٧) ٢٦: سورة الشعراء ٢٢٧.
(٨) ١٧: سورة الإسراء ١١٠.