كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الخطاب

صفحة 378 - الجزء 1

  اسما ليس بعلم، ولا كنية؛ فإنه لا يجوز فيها إجراء الجواب، على وفق السؤال؟. وبيان ذلك، وهو أنه لو قال أحد: رأيت أخاك، وضربت غلامك؛ لم يجز لك أن تقول: من غلامك؟ ومن أخاك؟

  كالسؤال عن العلم. وعلى العكس من هذا، يجوز هذا في الأعلام، والكنى ولم يجز في (الغلام) ولا في (الأخ) لأنه ليس بعلم، ولا كنية.

  واعلم أنه، إذا قال: ضربت زيدا فقلت: من زيدا؟ فإنه، وإن كان منصوبا، في اللفظ فهو مرفوع في المعنى. لأن زيدا: رفع بالابتداء. و: من، الذي تقدم، هو خبره فهو في المعنى مرفوع بالابتداء. ونظير هذا قولهم: مررت بزيد. فإن قوله بزيد وإن كان مجرورا في اللفظ؛ فهو منصوب في المعنى. وكذلك قولهم: هذه عصا فإنه وإن كان منصوبا في اللفظ فهو مرفوع في المعنى والضم فيه مقدر. فكذلك أيضا الجواب إذا كان على وفق السؤال في النصب، والجر؛ فإنه وإن كان منصوبا ومجرورا في اللفظ؛ فإنه مرفوع بالابتداء، ومرفوع في المعنى. فإذا قلت: من زيد فإنه يحتمل أن يكون استفهاما عن ذلك الشخص المذكور الذي هو زيد بعينه. ويجوز أن يكون استفهاما عن زيد آخر. وإذا قلت: ومن زيد؟ فأدخلت حرف العطف عليه؛ فإنه الاستفهام عن ذلك الذي جرى ذكره في أول الكلام. لأن الواو حرف يقتضي ربط الكلام بكلام آخر قد جرى. إذ لا يجوز الابتداء بحرف العطف، فلا يجوز الحكاية.

  وإذا سألت ب (من) عن نكرة، حكيت الإعراب ب (من) نفسها. إذا قلت: رأيت رجلا، قلت: منا؟: وإذا قلت: جاءني رجل، قلت: منو؟ وإذا قلت: مررت برجل، قلت: مني؟

  وهذا عندنا ليس هو بإعراب؛ بل هو تغير لأجل الوقف⁣(⁣١) لأنه بالوصل، لا يتغير. وهو حكاية الإعراب، وليس بإعراب. فإذا قلت: رأيت رجلا قلت: منا [١٧٠ / ب]، وحكيت الإعراب في الجواب كان الاستفهام عن الرجل الذي تقدم ذكره. وإذا قلت: من؟ فإنه يحتمل أن يكون استفهاما عنه، وعن غيره. وإذا قلت: من يا فتى؟ فإنه يكون استفهاما عن المجرى ذكره؛ لقوله: يا فتى، وبحرف العطف على ما ذكر إلى آخر الباب.

باب الخطاب

  إذا خاطبت إنسانا فاجعل أول الكلمة للمذكور الغائب، وآخرها للحاضر المخاطب. تقول، إذا سألت رجلا عن رجل: كيف ذاك الرجل، يا رجل؟ اعلم أن (ذا) إشارة إلى الأقرب. و (الكاف) للخطاب. فإذا قلت: ذاك؛ فإنه يكون إشارة إلى الأقرب. فإذا زدت فيه اللام، فقلت: ذلك، فإنه يكون إشارة إلى الأبعد. وذلك؛ لأن (ذا) للإشارة واللام دلالة على البعد، و (الكاف) للخطاب.

  [فإن قلت]: فقد قال الله تعالى: {الم ١ ذلِكَ الْكِتابُ}⁣(⁣٢). فقوله: ذلك إشارة إلى الأبعد،


(١) الكتاب ٢: ٤١٠، ونصه: (حدثنا يونس أن ناسا يقولون ابدا: منا، ومني، ومنو: عنيت واحدا، أو اثنين، أو جميعا في الوقف). وينظر: اللمع في العربية ٣٦٨.

(٢) ٢: سورة البقرة ١، ٢.