كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الحكاية

صفحة 377 - الجزء 1

  الاستفهام، وجميع الظروف المستفهم بها، إذا كانت ملغاة غير مستقرات، نحو قولك: إنما قام زيد. ف (قام) فعل ماض. وزيد: رفع بفعله، وفعله: قام. وإنما زيد أخوك. فزيد: رفع بالابتداء.

  وأخوك: رفع خبر المبتدأ. وإنما (ما) ملغاة في جميع المواضع.

  وأما إذا كانت مستقرة، غير ملغاة؛ فإن الكلام يتغير بدخولها عليه. وهو نحو قولك: أين زيد قائما. وذلك لأن (أين) مستقرّ، هاهنا، لأن (زيد) رفع بالابتداء. و (أين) الذي قد تقدم، الذي هو الاستفهام: خبره. وإذا كان كذلك، فإنه يختلف، ويتغير، فينصب (قائم) الذي بعده على الحال. والعامل فيه، إنما هو الظرف. والتقدير: أين استقرّ زيد قائما. وكذلك، أيضا، في سائر [١٦٩ / ب] أخواتها، إذا كانت ملغاة، فإنه لا يتغير الكلام بعدها. تقول: إنما زيد أخوك، ولكنما جعفر منطلق، وكأنما أخوك الأسد، ولعلما أنت حاكم. فهذه كلها إذا كانت ملغاة، فإن الكلام، بعدها، لا يتغير.

  وأما (ليتما) خاصة؛ فإن جعلت (ما) فيها كافة، بطل عملها. وإن جعلتها زائدة للتوكيد، لم يتغير نصبها. وإنما كان (ليتما) كذلك، لأنه استعمل كذا ما كافة وإن شئت قلت: ليتما أخاك قائم. وينشد بيت النابغة، على الوجهين: بالرفع والنصب:

  ٣٥٧ - قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا، ونصفه فقد⁣(⁣١)

  وتقول: قمت إذ زيد جالس. وتقول أين زيد قائم، وقائما، على ما تقدم إذا كان مستقرا؛ نصبت قائما، وجالسا، على الحال. وإذا قلت: متى زيد قائم رفعت (قائما) البتة. لأن (متى) ظرف زمان. وظروف الزمان، لا تكون أخبارا عن الجثث. ولكن لو قلت: متى انطلاقك سريع، وسريعا؛ لجاز، لأن الانطلاق حدث. وظروف الزمان تكون أخبارا عن الأحداث. قال أبو الفتح: إذا قلت: سريع، ف (متى) يكون حالا للإنطلاق. ولو قلت: متى زيد جالس؛ لم يكن (متى) حالا؛ لأن ظروف الزمان كما لا تكون أخبارا عن الجثث، لا تكون أحوالا لهم.

باب الحكاية

  إذا استفهمت ب (من) عن الأعلام، والكنى، فإن شئت رفعت على الظاهر، في جميع الأحوال، وإن شئت حكيت الإعراب. إذا قلت: رأيت زيدا، قلت: من زيد؟ وإن شئت: من زيدا؟ وتقول: مررت بزيد، قلت: من زيد؟ وإن شئت: من زيد؟ اعلم أن هذا إنما يختص بأسماء الأعلام، والكنى وهو للمطابقة بين الجواب، والسؤال، وإجراء الجواب، على وفق السؤال. وهو إذا قال: رأيت زيدا، قلت: من زيدا؟ فهذه خصيصة الأعلام، والكنى وإنما اختصت بهذا الأعلام، والكنى؛ لأن للأعلام والكنى حرمة، فيما بين [١٧٠ / أ] العرب؛ لأنها أكثر ما يستعمل في كلامهم. ولكثرة ما يستعمل في كلامهم، ولحرمتهم إياها، اختصت بهذه الخصيصة، وهو أن يجرى الجواب فيها على وفق السؤال، حتى إنه لو كان


(١) البيت من البسيط، في: ديوانه ١٦، والكتاب ٢: ١٣٧، والتحصيل ٢٨٢، وشرح شذور الذهب ٢٨٠.

وبلا نسبة في: ابن يعيش ٨: ٥٨، شفاء العليل ١: ٢٠١.