كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

المبحث الخامس موقف جامع العلوم من النحويين السابقين

صفحة 46 - الجزء 1

  ٢ - مع يحيى بن زياد الفراء (ت ٢٠٧ هـ):

  نقل جامع العلوم عن الفراء رأيه في تسع عشرة مسألة، ولم أجده وافقه أو سكت عنه، إلا في مسألة واحدة، هي ما ذهب إليه الفراء من قولهم: كلمته فاه إلى في، إذ انتصب (فاه) ب (جاعل) مقدر، والتقدير عند الفراء: كلمته جاعلا فاه إلى فيّ، فهو منصوب بعامل تقديره (جاعل)⁣(⁣١).

  واكتفى جامع العلوم بشأن هذه المسألة بأن قال: وعند الخليل وسيبويه: فاه: في موضع الحال، وتقديره كلمته مشافها ... وهذا هو الصواب⁣(⁣٢).

  وأما غير ذلك من المسائل فقد ردها جامع العلوم، متتبعا كلام الفراء ناقضا له ومن أمثلة ذلك: قال الفراء: اللهم، أصله: الله أمنا بخير من: أمه يؤمه؛ إذا قصده فحذفوا الهمزة، فصار: اللهم. قال: والدليل على بطلان قولهم: جواز: ياللهم في الشعر. ولو كانت الميم بدلا من (يا) لم يجتمعا؛ لأنه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض عنه⁣(⁣٣).

  ورد جامع العلوم قول الفراء هذا فقال: (وهذا الذي ذكره باطل؛ لأنا نقول اللهم أهلك الكافرين. ولو كان التقدير: الله أمنا بخير؛ لوجب أن يقال: وأهلك الكافرين، ولأنه يقال: اللهم، اغفر لي، ولا يقال: اللهم، واغفر لي ...)⁣(⁣٤).

  ٣ - مع أحمد بن يحيى ثعلب (ت ٢٩١ هـ)

  على الرغم من كون ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة في زمانه، فإن جامع العلوم لم يحتفل به كثيرا؛ إذ لم يذكره في شرحه الكبير سوى ثلاث مرات حكى في الأولى روايته عن العرب أنهم قالوا: خذ اللص قبل يأخذك؛ أي: قبل أن يأخذك⁣(⁣٥) باضمار (أن).

  والثانية تجويزه: إلا زيدا قام القوم⁣(⁣٦). والثالثة: أسقط جامع العلوم فيها اعتراض من اعترض على ثعلب في قوله: فاخترنا أفصحهن⁣(⁣٧)؛ إذ لم يقل فصحاهن، بدليل قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ}⁣(⁣٨).

  فافرد وذكر؛ لأن الإفراد مع الإضافة أحسن من: التثنية والجمع والتأنيث⁣(⁣٩).

  وبعد هذه الإلمامة بموقف جامع العلوم من عدد من النحويين الكوفيين أستطيع أن أقول:

  ١ - إن جامع العلوم كان قليل النقل أو الرواية عن الكوفيين.

  ٢ - اقتصر نقله، في الغالب، على المسائل الخلافية.


(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١٩٢.

(٢) نفسه ١٩٢.

(٣) نفسه ٢٨٩.

(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٨٩، ومعاني القرآن للفراء ١: ٣٠٣.

(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٦٤.

(٦) نفسه ٢٢٨.

(٧) نفسه ٢٢٨.

(٨) ٢: سورة البقرة ٩٦.

(٩) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٢٨.