مقدمة المصنف
  السري(١)، إن الاسم: ما دل في نفسه على معنى مفرد(٢) غير مقترن بزمان محصل، حد مكسور، وذلك لأنه قال: إنما قلت: ما دل في نفسه، احترازا عن الحرف، لأن الحرف، يدل على معنى في غيره. وقال: قولي على معنى مفرد غير مقترن بزمان، احتراز عن الفعل، لأن الفعل، يدل على معنيين: حدث، وزمان. والاسم ليس كذلك. هذا حد مكسور، لأن أنواع المصادر كلها، تدل على معان في الفاعل. فالضرب يدل على معنى في الضارب، والأكل يدل على معنى في الآكل.
  فإذا كان كذلك، فقد بطل قوله: الاسم ما دل في نفسه، لأن قولهم: ضرب، يدل على معنى في الضارب. وقوله: على معنى مفرد، باطل بقولهم: الاصطباح، والاغتباق، لأنه يدل على معنيين: زمان، وشرب فيه. فهو اسم دل على معنيين. وإذا كان كذلك، فهذا حد عام، وقد بطل، فما ظنك بغيره؟!.
  وقد قال أبو علي(٣): إن قول ابن السري: غير مقترن بزمان محصل، يفسد بقولهم: يضرب، وسائر المضارع، لأن قولنا: يضرب، فعل، وهو غير مقترن بزمان محصل. ألا ترى: أنه يصلح للحال والاستقبال جميعا. وعلى موجب قوله، ينبغي أن يكون (يضرب): اسما وقد بطل ذلك، فبطل حده.
  وقد قال الجرجاني(٤): الاسم: كل كلمة عريت من الدلالة على الزمان، لا من طريق الوضع وكان [٢ / ب] له إعراب: لفظا، وتقديرا(٥). قال: ومعنى قولي: عريت من الدلالة على الزمان، احتراز من الفعل: لأن الفعل يدل على الزمان. وقال: وقولي: لا من طريق الوضع، احتراز عن قولنا: اليوم والليلة، فإنه وضعا للزمان، وكان له إعراب، لفظا، وتقديرا: احتراز عن الحروف، إذ لا إعراب لها، لا لفظا، ولا تقديرا. هذا كلامه، وهو فاسد أيضا، كما فسد قول ابن السري. ألا ترى: أن الاصطباح، والاغتباق، اسمان، ولم يعريا من الزمان إلا من طريق الوضع. وقوله: وكان له إعراب: لفظا أو تقديرا، باطل بقولهم: مررت برجل يضربك، لأن قولك: يضربك، معرب: لفظا،
(١) هو أبو بكر محمد بن السري، النحوي، المعروف بابن السراج (ت ٣١٦ هـ). أخذ النحو عن المبرد، وأشهر تلامذته: الزجاجي، والسيرافي، وأبو علي الفارسي. إنباه الرواة ٣: ١٥٤، ومعجم الأدباء ١٨: ١٩٧، وينظر: مقدمة محقق الأصول ١: ٦ - ١٢.
(٢) الأصول في النحو ١: ٣٨.
(٣) هو الحسين بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان، أبو علي الفارسي (ت ٣٧٧ هـ). ويعرف بالفسوي، نسبة إلى فسا، مدينة قريبة من شيراز عاصمة فارس، ولد بها. قرأ النحو على أبي إسحاق الزجاج، وأشهر تلامذته ابن جني. ينظر: إنباه الرواة ١: ٢٧٣، ومعجم الأدباء ٧: ٢٣٣، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة ٥٣، ومعجم المؤلفين ٣: ٢٠٠.
(٤) هو: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت ٤٧١ هـ). إمام البلاغيين، عالم في النحو واللغة، له:
(دلائل الإعجاز)، و (أسرار البلاغة)، و (المقتصد في شرح الإيضاح)، وغيرها. إنباه الرواة ١: ٦١٢، وبغية الوعاة ٢: ١٠٦، وينظر: مقدمة محقق المقتصد في شرح الإيضاح ١: ١٧.
(٥) قول الجرجاني في المقتصد: ١: ٤٦، ونصه: (كل لفظ عري من الدلالة على الزمان، لا من طريق الوضع، وكان له إعراب لفظا، وتقديرا، فهو اسم).