كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

مقدمة المصنف

صفحة 62 - الجزء 1

  وتقديرا. أما في اللفظ فهو مرفوع، وأما في التقدير، فهو مجرور صفة لرجل.

  فإن قال: هذا لا يصح، وذلك لأن (يضرب)، إعرابه ليس بأصلي، وإني عنيت بقولي: وكان له إعراب، أعني على جهة الأصالة، فلا يلزمني ما إعرابه بالمشابهة.

  قلت: ليس هذا في حدك، ولو عنيت ذلك، فأي شيء منعك عن ذكره، على أنك إن أردته معنى ربما لا يسلم لك أن الإعراب في الفعل المضارع، ليس بأصلي، وربما يلزمك خصمك: أن موجب الإعراب في الأسماء، موجود في الفعل المضارع. ألا ترى أن الاسم، إنما أعرب، للفصل بين الفاعلية، والمفعولية لأنك إذا قلت: ضرب زيد عمرا، لو لا الرفع في الفاعل، والنصب في المفعول، لم يتبين هذا المعنى. ومثل هذا المعنى موجود في الفعل المضارع. ألا ترى: أنك إذا قلت: ما بالله حاجة، فيظلمك، بالرفع والنصب، لو لا الرفع، والنصب، لم يتبين المعنى، لأن في النصب: نفي الظلم، وفي الرفع: إثبات الظلم، وإذا كان كذلك، لزمك الحجة في وجوب إعراب هذا الفعل.

  إذن فحده ما أسند إلى شيء، ولم يسند إليه شيء. مثال ذلك: قام عبد الله ف (قام) فعل، لأنه مسند إلى عبد الله. ولو أردت أن تقول: قعد قام، فتسند: قعد، إلى (قام)، لم يجز، لأن الفعل لا يسند إليه، وإنما يسند إلى غيره. [٣ / أ] فهذا حد صحيح يخرج عليه باب (كان) وباب (عسى، وليس) وما أشبهه، ولا يصح حد من قال: الفعل ما دل على حدث وزمان.

  لأنه يخرج منه باب: كان، وليس، إذ المقصود منه الزمان المجرد، دون حدث.

  وعلامات الفعل أيضا كثيرة، ولكنها لا تخلو من أحد أربعة مواضع: إما أن يكون في أوله، نحو: قد، والسين، وسوف. أو يكون في آخره، كاتصال تاء الضمير به، نحو: قمت، وقمت.

  وإما أن يكون في جملته، كالتصريف نحو: قام يقوم، وخرج يخرج. وإما أن يكون في معناه، ككونه أمرا، أو نهيا، نحو: اخرج، ولا تخرج.

  [وأما الحرف] فما جاء لمعنى: ليس باسم، ولا فعل⁣(⁣١)، فهذا حده عند سيبويه⁣(⁣٢). وقال أبو علي: ما جاء لمعنى ليس غير⁣(⁣٣) والمعنى الذي أراده سيبويه، بقوله: ليس باسم ولا فعل، هو المعنى الذي تحت قول أبي علي: ليس غير، إذ المعنى في القولين، ما ذكرته في أول الفصل، من أن الحرف يجيء لمعنى واحد ليس باسم ولا فعل، أي ذلك المعنى، لا يكون في الاسم، ولا في الفعل، إذ كل واحد من الفريقين، يدل على معنيين. وتقدير قوله: ليس غير، أي ليس غير ذلك المعنى، فحذف المضاف إليه من (غير) وبناه على الضم ك (قبل، وبعد). وقول القائل: الحرف: ما جاء لمعنى في غيره، ليس بحد صحيح، لأن جميع المصادر، أسماء ليست بحروف، وهي تدل


(١) الكتاب ١: ١٢.

(٢) هو عمرو بن عثمان بن قنبر (ت ١٨٠ هـ). أخذ النحو عن الخليل، له (الكتاب) في النحو الذي عده اللغويون قرآن النحو. ينظر: مراتب النحويين ٦٥، وأخبار النحويين البصريين ٣٧، ٣٨، وطبقات النحويين واللغويين ٦٦ - ٧٤.

(٣) المقتصد في شرح الإيضاح ١: ٨٤.