كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المعرب والمبني

صفحة 65 - الجزء 1

  لو لا الرفع في الفاعل، والنصب في المفعول، فسد الكلام، واختلط أحدهما بالآخر. وقال قوم: الإعراب زينة في الكلام. وحسن له. من قولهم: امرأة عروب، إذا كانت متحببة إلى زوجها⁣(⁣١)، لحسنها وجمالها، قال الله تعالى: {عُرُباً أَتْراباً} (٣٧)⁣(⁣٢). فالإعراب هو تزيين الكلام. والكلام إذا زين، فهم معناه، وأدرك فحواه. وإذا ثبت هذا، وتقرر، فالأصل في الإعراب، هو الأسماء دون الأفعال والحروف، وذلك لأن الأسماء هي التي يتصور كونها فاعلة أو مفعولة، أو مضافا إليها دون الأفعال والحروف. فيجب أن يكون مخصوصا بالأسماء، إلا أنه لما ضارع هذه الأسماء نوع من الأفعال أعرب لمشابهته إياها [٤ / أ] على ما يأتيك بيانه.

  [قال أبو الفتح]: فالاسم المتمكن: ما تغير آخره بتغير العامل في أوله، ولم يشابه الحرف، نحو قولك: هذا زيد، ورأيت زيدا، ومررت بزيد.

  [قلت]: أراك⁣(⁣٣) في هذا الفصل، أن المعرب له شرطان، أحدهما: تغير الآخر، والآخر: تغير العامل. فإذا تغير الآخر، لا بالعامل لم يكن إعرابا. ألا ترى أنك تقول: ضربت، وضربا، وضربوا، فتغير الباء. ولم يكن إعرابا إذا لم يكن بتغير العامل. وقوله: فالاسم المتمكن ما لم يشابه الحرف.

  يعني أن الأصل في الأسماء الإعراب، فما بني منها، فلأنه يشابه الحرف. وحقيقة هذا الكلام: أن الأسماء المبنية منها، ما بني لتضمنه معنى الحرف، نحو: من، إذا كان بمعنى الاستفهام، أو بمعنى الشرط، كقولك: من في الدار؟ فمعناه: أزيد في الدار، أم عمرو؟ وإنما بني: من: لتضمنه معنى الهمزة. وكذلك إذا قلت: من يأتنا نكرمه، إنما بنيت، لتضمنها معنى (إن) ومنها ما بني لمشابهته الحرف، وذلك نحو (من) إذا كانت موصولة، كقولك: من في الدار أكرمته. ف (من) هاهنا، مبنية لاحتياجها إلى الصلة، والصلة بعض الموصول. ف (من) كأنه بعض الاسم: وبعض الاسم، لا يستحق الإعراب، فهو بمنزلة الحروف التي هي أداة. فكل ما لم يتضمن معنى الحروف، ولا يشبهه من الأسماء. فهو معرب، كما ذكر من قوله: (زيد، وزيدا، وزيد).

  [قال أبو الفتح]: والفعل المضارع: ما كان في أوله إحدى الزوائد الأربع ... إلى آخر الفصل⁣(⁣٤).

  [قلت]: إنما سمي هذا الفعل، مضارعا، لأنه يشبه الاسم، من ثلاثة أوجه:

  الأول: أنك إذا قلت: زيد يضرب، يصلح: للحال والاستقبال، فإذا أردت تخصيصه بالاستقبال، قلت: سيضرب، وسوف يضرب. كما أنك إذا قلت: جاءني رجل، صلح⁣(⁣٥) (رجل) لكل من كان من جنسه. فإذا أردت تخصيصه، قلت: هذا الرجل. فلم يتناول إلا مفردا معينا،


(١) التاج (عرب) ٣: ٣٣٨.

(٢) ٦٥: سورة الواقعة ٣٧.

(٣) الهمزة في (أراك) للتعدية. وليست همزة المتكلم، أي: أراك ابن جني ... اللمع في العربية ٥٦.

(٤) وتمامه، وهي: الهمزة، والنون، والتاء، والباء.

(٥) بفتح اللام، وضمها، والفتح أعلى. التاج (صلح) ٦: ٥٤٨.