باب المعرب والمبني
  ولأنك تقول: إن زيدا ليقوم، فتدخل اللام على هذا الفعل. قال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}(١) وهذه اللام موضعها الأسماء لأنها لام الابتداء وإنما جاز: (إن ربك ليحكم) كما جاز (إن ربك لحاكم) ولو قيل: إن ربك لحكم، لم يجز، لأن الماضي لا يضارع الأسماء، ولأنك تصف به إذا قلت: مررت برجل يكتب، فهو في معنى: مررت برجل كاتب. وإذا ثبت هذا، وتقرر، فالمضارع معرب لمشابهته الأسماء على ما بيناه.
  وعلامة المضارع، دخول إحدى الزوائد الأربع عليه التي يجمعها قول القائل: أتين، أو: تنيا، في أوله، نحو: أقوم، ونقوم، وتقوم، ويقوم.
  [فإن قلت]: ولم خصت هذه الحروف بالمضارع من جملة سائر الحروف؟. قلت: إن هذا أصل لا بد لك من معرفته، إذ هو مبنى أكثر كلامهم، وذلك، لأن أكثر الحروف دورانا في الكلام، حروف المد واللين، وهي: الواو، والياء، والألف. ومنها الحركات الثلاث التي هي: الضمة، والفتحة، والكسرة. ألا ترى أنك إذا أشبعت الضمة تولدت منه (واو)، وإذا أشبعت الفتحة، تولدت منه (ألف) وإذا أشبعت الكسرة، تولدت منه (ياء) قال الشاعر:
  ١ - وإنّني حيثما يسري الهوى، بصري ... من حيثما سلكوا أثني فأنظور(٢)
  أي: أنظر: فأشبع الضمة، فتولدت منه (واو).
  وقال الشاعر:
  ٢ - وتضحك منّي شيخه عبشميّة ... كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا(٣)
  أصله: كأن لم تر. إذ هو مجزوم ب (لم) فأشبع الفتحة، فتولدت منه (ألف). وعلى هذا قيل في قراءة حمزة(٤): {لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى}(٥) أي: لا تخش، هو مثل: تخف، فوقف فاشبع فتولدت منه (ألف)(٦). قال الشاعر:
(١) ١٦: سورة النحل ١٢٤.
(٢) البيت من البسيط، لإبراهيم بن هرمة. في: ديوانه ١١٨، وشرح المعلقات السبع ٢٧٤ (عجزه) وفيه: من حوثما، وخزانة الأدب ١: ١٢١، وفيها: حوثما يثني، وحوثما سلكوا، والتاج (نظر) ١٤: ٢٥٣، وفيه: يثني الهوى.
(٣) البيت من الطويل، لعبد يغوث بن وقاص الحارثي. في: المفضليات ١٥٨، ومغني اللبيب ٢: ٢٧٧، والخزانة ٢: ٢٠١.
(٤) هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات (ت ١٥٦ هـ). أحد القراء السبعة. أخذ القراءة عن: سليمان الأعمش، وحمران بن اعين، وجعفر بن محمد الصادق، وآخرين. روى القراءة عنه إبراهيم بن أدهم، وإبراهيم بن إسحاق، وآخرون. إليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم، والأعمش. ينظر: غاية النهاية ١: ٢٦١ - ٢٦٣.
(٥) ٢٠: سورة طه ٧٧.
وكذلك قرأ (لا تخف): الأعمش، وابن أبي ليلى. تفسير الطبري ١٦: ١٤٤، والتيسير - للداني ١٥٢، وتفسير التبيان ٧: ١٧٠، والبحر المحيط ٦: ٢٦٤، وإتحاف الفضلاء ٣٠٦، وغيث النفع ٢١٧.
(٦) الحجة في القراءات السبع - لابن خالويه ٢٤٥.