باب إعراب الاسم الواحد
  كأنه قيل: أفعل إن شاء الله. يريد: أن مجموع الشرط، والجزاء، واجب، فلا يحسن نصب ما بعده بالواو، والفاء، وإنما ذلك في غير الواجب، ألا ترى أن النصب في: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ} محمول على الشذوذ في قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ}(١) وكان النصب في {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ} شاذا، ولم يكن شاذا في {وَيَعْلَمُ}، لأن هاهنا، إتباعا لما قبله مع الحاصل في {فَيَغْفِرُ}، وربما يضعف الشيء لعلة واحدة، ويقوى إذا انضمت إلى تلك الواحدة ضميمة أخرى. كيف وعهدك الآن قريب من باب: ما لا ينصرف، حيث لم يمنع السبب الواحد الصرف، حتى ينضم إليه الثاني. فقوله: {وَيَعْلَمُ}(٢) بعد قوله: {أَوْ يُوبِقْهُنَ}(٣)، منصوب نصبا مستحسنا، لشيئين: الإتباع، وكونه بعد الشرط، والجزاء. وإن أشبه الواجب، فإنه ليس بواجب محض(٤). ألا ترى أن الثاني موقوف على الأول، وكأنه إلى الواجب أقرب، لأنه قال(٥): ولحاقهما، يعني الخفيفة، والثقيلة، في الجزاء قليل. وهو كما قال. وإنما زدنا، هاهنا، في شرح هذا الفصل، لأنه لم يذكر الوقف في غير هذا الموضع، من هذا الكتاب. ومثل قولهم: بكر، [قول الشاعر]:
  ٢٧ - أذاقتهم الحرب أنفاسها ... وقد تكره الحرب بعد السّلم(٦)
  ف (السّلم) ليس ك (الجلد)، لأن قوله (الجلدا) قد تحركت الدال بما تستحقه من الحركة، فلا يتصور فيه النقل. وإنما هو إتباع، ولم يتحرك الميم [١٣ / أ] في (السّلم) فكان منقولا إلى اللام.
  وهذا النقل لا يجيء في المنصوب(٧). لا تقول: رأيت البكر. قال: لأن قولك: رأيت البكر، في
(١) ٢: سورة البقرة ٢٨٤. قال سيبويه: وبلغنا أن بعضهم قرأ: {يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ} بالنصب.
الكتاب ٣: ٩٠، ورويت القراءة بالنصب عن: ابن عباس، والأعرج، وأبي العالية. وعاصم الجحدري، وأبي حيوة، وهي عند البصريين على إضمار (أن). إعراب القرآن - للنحاس ١: ٣٠٤، وتفسير القرطبي ٣: ٤٢٤، والبحر المحيط ٢: ٣٦٠.
(٢) ٤٢: سورة الشورى ٣٥.
قرأ العامة بنصب (يعلم)، ورفعه: نافع، وابن عامر، وأبو جعفر، والأعرج، وشيبة، وزيد بن علي. تفسير الطبري ٢٥: ٢٢، والسبعة ٥٨١، والحجة - لابن خالويه ٣١٩، وحجة القراءات ٦٤٣، وإعراب القرآن - للنحاس ٣: ٦٣، والكشف - للقيسي ٢: ٢٥١، والتيسير - لأبي عمرو الداني ١٩٥، وتفسير التبيان - للطوسي ٩: ١٦٤، ومجمع البيان ٩: ٣١، وتفسير القرطبي ١٦: ٣٤، والنشر ٢: ٣٦٧، والبحر المحيط ٧: ٥٢١، وإتحاف الفضلاء ٣٨٣.
(٣) ٤٢: سورة الشورى ٣٤.
(٤) يعني: أن مجيء (يعلم) بعد تمام الشرط، والجزاء، جعله شبيها بالجزاء، وليس بجزاء محض، مما سهل ذلك رفعه على الاستئناف، ونصبه بالفاء، أو الواو نصبا مستحسنا بإضمار (أن) قبله، والتقدير: وأن يعلم، أي: وليعلم. ينظر: الكتاب ٣: ٨٩، ومجمع البيان ٩: ٣١، ٣٢، وتفسير القرطبي ١٦: ٣٣، ٣٤.
(٥) أي: سيبويه، وقد ذكر الشارح كلامه بالمعنى، ونصه: (ومن مواضعها (أي: مواضع النون الخفيفة، والثقيلة) الأفعال غير الواجبة .... فإن شئت أقحمت النون، وإن شئت تركت). الكتاب ٣: ٥١٣.
(٦) البيت من المتقارب، للأعشى، في: ديوانه ٣٩، ودقائق التصريف ١٠٠، واللسان (س ل م) ١٢: ٢٩٢.
(٧) الوقف على المنصوب المحلى ب (آل)، الساكن ما قبل آخره: مسألة خلافية بين الكوفيين، والبصريين.
ذهب فيها الكوفيون إلى جواز أن يقال في الوقف: رأيت البكر، بفتح الكاف في حالة النصب وذهب =