باب التثنية
  قولك: جاءني الزيدان علم بالأول منهما مجيئا فكذا في قولنا: جاءني زيد وعمرو وإذا كان معنى التثنية، لم يتصور ذلك في الأفعال، ولا في الحروف. ألا ترى أنك إذا قلت: ضرب زيد، تناول قولك (ضرب) جنس الضرب، قليله، وكثيره، فلم يتصور فيه، ما صورناكه في الاسم.
  [فإن قلت]: فقد قالوا: ضربا؟
  [قلت]: ذلك تثنية الفاعل، لا تثنية الفعل. ألا ترى أن معناه: ضرب اثنان. وليس معناه:
  ضرب ضربين. وأما الحروف، فهي آلة تربط أجزاء الجمل، بعضها ببعض، فلا يتصور فيه معنى التثنية، إذ ليس الغرض فيه ذلك وإذا ثبت هذا، وتقرر فإن التثنية، والجمع، على حد التثنية، جاءا في حالة الإعراب، مخالفين لما للآحاد عليه من الإعراب. ألا ترى أن إعراب الآحاد، إنما هو بالحركات التي هي الضمة، والفتحة، والكسرة. فلما جاؤوا إلى التثنية، والجمع، على حدها، وعجزوا عن استعمال الحركات، لاستيفاء الآحاد إياها، لجؤوا إلى أصول هذه الحركات التي هي: الضمة، والفتحة، والكسرة. ألا ترى أن أصل الواو: الضمة، وأصل الألف: الفتحة، وأصل الياء: الكسرة، على ما تقدم شرحنا إياه. فجاؤوا بهذه الحروف، وهي ثلاثة. وللتثنية ثلاثة أحوال: رفع، ونصب، وجر. وللجمع مثل ذلك. وليس معهم إلا ثلاثة أحرف، فتجب قسمتها على ستة، فاقتضت الحكمة في هذه الفتحة [١٨ / ب] أن تكون الألف في المرفوع في التثنية، والواو للجمع، والياء للتثنية، مجرورة، وللجمع أيضا. ففتح ما قبلها في التثنية، وكسر ما قبلها في الجمع، للفرق بين الحالتين. وبقي النصب فيهما، ولم يكن هناك حرف، فلم يكن بد من حمل النصب فيهما: إما على الجر، أو على الرفع، فقال سيبويه(١): وكان حملها على الجر أولى، لأن الجر يختص بالأسماء، والرفع قد يجاوز الأسماء إلى الأفعال، وينتقل إليها، وهو كما قال، لأن ما كان من خصائص الشيء كان أرسخ قدما فيه، مما ينتقل منه إلى غيره. فهذه حكمة هذه القسمة.
  [فإن قلت] فلو خرجت القسمة على غير هذا؟ فكانت الواو في التثنية مرفوعة، مفتوحا ما قبلها. والياء فيها مجرورة، مكسورا ما قبلها، والألف فيها منصوبة، ومفتوحا ما قبلها. وفي الجمع: الواو فيه مرفوعة مضموما ما قبلها، والياء فيه مجرورة، مفتوحا ما قبلها، والألف فيه منصوبة، مفتوحا ما قبلها، ويكون النون فارقا بين المنصوبين، يفتح في حالة، ويكسر في أخرى.
  [قلت]: هذه القسمة فاسدة. والأول أحسن، لأن النون، لا تثبت في جميع الأحوال، بل تسقط عند الإضافة، فكان يؤدي إلى اللبس، والاشتباه. وإذا ثبت هذا، وجبت هذه القسمة على هذه القضية. فهذه الحروف، حروف إعراب عندنا. وقال الفراء(٢): هي أنفس الإعراب. وقال
(١) الكتاب ١: ١٩، وقد ذكر الشارح معنى كلام سيبويه، ونصه: (وافق النصب (أي: نصب الفعل إذا لحقته التثنية) الجزم في الحذف، كما وافق النصب الجر في الأسماء، لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، والأسماء ليس لها في الجزم نصيب، كما أنه ليس للفعل في الجر نصيب).
(٢) بل: الكوفيون كلهم، وأيدهم قطرب من البصريين. الإيضاح في علل النحو ١٣٠، والإنصاف (مسألة ٣) ١: ٣٣.