باب التثنية
  الأخفش(١): هي دلائل الإعراب. وقال الجرمي(٢): انقلابها علامة النصب، والجر(٣). والصحيح قول سيبويه(٤)، وإن الألف في الرفع حرف الإعراب، والياء، والواو كذلك في الحالتين، يعني: النصب، والجر. والدليل على صحة هذا، أن قولك: جاءني الزيدان، لا تألو الألف فيه، ولا الياء، في قولك: رأيت الزيدين، ولا الواو، في قولك: جاءني الزيدون، من أن يكون حروف إعراب، كالدال، في زيد، والراء في: عمرو، أو يكون كالضمة، والفتحة، والكسرة. فالذي يدل على أنها كالدال، هو: أنا لا نفهم معنى التثنية، ولا الجمع، إلا بوجود هذه.
  [١٩ / أ]: [فلما] كانت كالضمة، وأختيها، لم يخل بسقوطها معنى التثنية، والجمع. ألا ترى أنك إذا قلت: هذا زيد، فحذفت الضمة، لم يختل معنى الاسم، فبطل قوله. وبقي قوله: لم قلب ياءا، والدال لا تنقلب في المفرد؟ فنقول له: إن القياس كان يقتضي، أن التثنية، في الأحوال كلها بالألف، لأن الألف حرف إعراب، بمنزلتها في رحى، وعصا. فكما لا تنقلب هناك، وجب أن لا تنقلب هاهنا. وعلى هذا جاء قوله تعالى: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ}(٥) الألف، في موضع النصب، على القياس الذي هو الأصل(٦). ألا ترى أن العرب، إذا لزمت شيئا في موضع، لمعنى مخالف للقياس، والأصل الذي ينبغي أن تكون عليه القاعدة استعملت بعض الكلم على الأصل، تنبيها، منهم على ذلك. كقولهم: استقام، واستمال، واستقاد، فقلبوا حرف العلة، ولم يصححوا، لتحركها في الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن. ثم جاء قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ}(٧) ولم يكن ليقول: استحاذ، تنبيها، على الأصل، فكذا جاء: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} تنبيها على الأصل الذي كان ينبغي أن يكون عليه الاستعمال. وإذا كان كذلك، ونبهوا على الأصل، في بعض المواضع، فالعدول عن هذا الأصل، إلى قلب حرف الإعراب، إنما كان لأجل أنه لو ترك هذا القلب لكان الكلام مشتبها،
(١) الإنصاف مسألة (٣) ١: ٣٣.
(٢) هو: أبو عمر، صالح بن إسحاق، الجرمي، النحوي (ت ٢٢٥ هـ). أخذ النحو عن: أبي الحسن الأخفش، وغيره، وأخذ اللغة عن: أبي زيد، وأبي عبيدة، والأصمعي، وطبقتهم، وصنف كتبا كثيرة، منها، مختصره المشهور في النحو. قال أبو علي، الفارسي: (قل من اشتغل بمختصر الجرمي، إلا صارت له بالنحو صناعة). ينظر: أخبار النحويين البصريين ٥٥ - ٥٧، وطبقات النحويين واللغويين ٧٤ - ٧٥، ونزهة الألباء ١١٤ - ١١٧.
(٣) الإنصاف (مسألة ٣) ١: ٣٣.
(٤) الكتاب ١: ١٧، وثمار الصناعة ٦٨.
(٥) ٢٠: سورة طه ٦٣.
(٦) وهي قراءة: نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، وأبي جعفر، وشعبة، ويعقوب، والشنبوذي، والحسن، والأعمش، وشيبة، وطلحة، وحميد، وأيوب، وأبي عبيد، وأبي حاتم، وابن عيسى الأصبهاني، وابن جرير، وابن جبير الأنطاكي. معاني القرآن - للأخفش ٢: ٤٠٨، وتفسير الطبري ١٦: ١٣٦، والسبعة ٤١٩، وإعراب القرآن - للنحاس ٢: ٣٤٣، والحجة - لابن خالويه ٢٤٢، وحجة القراءات ٤٥٤، والتيسير ١٥١، وتفسير التبيان ٧: ١٨٢، ومجمع البيان ٧: ١٤، وتفسير القرطبي ١١: ٢١٦، والبحر المحيط ٦: ٢٥٥، والنشر ٢: ٣٢١، وإتحاف الفضلاء ٣٠٤.
(٧) ٥٨: سورة المجادلة ١٩.