كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب التثنية

صفحة 98 - الجزء 1

  موقعا للبس. ألا ترى أنك، لو قلت: ضرب الزيدان العمران، لم يعرف الفاعل من المفعول. وهذا بخلاف المفرد، لأن المفرد، في نحو: ضرب موسى عيسى، لا يشتبه، لما يتعاقب عليه من الصفات، والتأكيد، وسائر التوابع، نحو: ضرب موسى العاقل عيسى الأديب. وضرب موسى نفسه، عيسى نفسه. وهذا المعنى لا يتأتى في التثنية، لأن ما يتبع التثنية طبق للتثنية، ووفق لها. لو قلت: ضرب الزيدان العاقلان، العمران العاقلان، لم تكن لتزيد بهذا الإتباع، إيضاحا، لم يكن له قبل. فلهذا المعنى جاء القلب، أعني لهذا البيان. وقد وقع التنبيه بقوله {إِنْ هذانِ}: وهو المختار، من الأقاويل، في هذه الآية. فأما قول من [١٩ / ب] قال: إن (إن) بمعنى: نعم⁣(⁣١)، وهذان: مبتدأ، ولساحران: الخبر. وقول من قال: إنه [كقول الشاعر]:

  ٤٠ - فليت كفافا كان خيرك كلّه ... وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي⁣(⁣٢)

  في أحد التأويلين، من أن التقدير: فليته، أي: إنه هذان لساحران، فقولان فاسدان، ودعويان خارجتان، عن كلام العرب، لأن اللام لا تدخل على الخبر: أعني لام الابتداء، في باب المبتدأ، والخبر، لا يقال: زيد لقائم، إنما يقال: لزيد قائم. [قال الشاعر]:

  ٤١ - أم الحليس، لعجوز شهربه ... ترضى من اللّحم بعظم الرقبه⁣(⁣٣)

  من الشواذ التي لا اكتراث بها، كما جاء فيها: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ}⁣(⁣٤) بالفتح⁣(⁣٥)، مع اللام. وإن زعم عالمهم، المبرد الذي عرض هو عليه⁣(⁣٦)، فرضي، من أن التقدير: إن هذان لهما ساحران⁣(⁣٧)، وأنّ اللام داخل على المبتدأ، في التقدير. فإن هذا جمع بين الضدين، لأن اللام للتأكيد، والتأكيد للإطناب، والإسهاب. والحذف للإيجاز، والاختصار، فلا يجمع بين الضدين.

  وأما قول الأخفش: إن هذه الحروف، دلائل الإعراب⁣(⁣٨)، فإن هذا يؤول إلى قول سيبويه وذلك لأن القول عند سيبويه: إن هذه الحروف حروف إعراب⁣(⁣٩). والحركة فيها مقدرة [ليبقى] دليل


(١) قاله: المبرد، والزجاج، وقطرب. حجة القراءات ٤٥٥، ومجمع البيان ٧: ١٥، ١٦.

(٢) البيت من الطويل، ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي، في: الأغاني ١٢: ٢٩٥، وأمالي القالي ١: ٦٨، والخزانة ٣: ١٣٣.

(٣) من الرجز، لرؤبة، في: ملحق ديوانه ١٧٠، ولرؤبة، وعنترة بن عروّس، في الخزانة ١٠: ٣٢٢، ٣٣٣.

وبلا نسبة في: أصول ابن السراج ١: ٣٣٣، وابن يعيش ٣: ١٣٠، ٧: ٥٧، وابن عقيل ١: ٣٦٦، واللسان (شهرب) ١: ٥١٠، والتاج (شهرب) ٣: ١٦٩.

الشهربة: العجوز الكبيرة.

(٤) ٢٥: سورة الفرقان ٢٠.

(٥) وهي قراءة: سعيد بن جبير. التبيان - للعكبري ٢: ١٦١، والبحر المحيط ٦: ٤٩٠، والمغني ١: ٢٣٣.

(٦) أي: الزجاج.

(٧) مجمع البيان ٧: ١٦، وفيه، قال الزجاج: (تقديره: نعم، هذان لهما ساحران ...).

(٨) الإيضاح في علل النحو ١٣٠.

(٩) الكتاب ١: ١٧، ١٨، وفيه: (واعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد، واللين، =