باب التثنية
  موقعا للبس. ألا ترى أنك، لو قلت: ضرب الزيدان العمران، لم يعرف الفاعل من المفعول. وهذا بخلاف المفرد، لأن المفرد، في نحو: ضرب موسى عيسى، لا يشتبه، لما يتعاقب عليه من الصفات، والتأكيد، وسائر التوابع، نحو: ضرب موسى العاقل عيسى الأديب. وضرب موسى نفسه، عيسى نفسه. وهذا المعنى لا يتأتى في التثنية، لأن ما يتبع التثنية طبق للتثنية، ووفق لها. لو قلت: ضرب الزيدان العاقلان، العمران العاقلان، لم تكن لتزيد بهذا الإتباع، إيضاحا، لم يكن له قبل. فلهذا المعنى جاء القلب، أعني لهذا البيان. وقد وقع التنبيه بقوله {إِنْ هذانِ}: وهو المختار، من الأقاويل، في هذه الآية. فأما قول من [١٩ / ب] قال: إن (إن) بمعنى: نعم(١)، وهذان: مبتدأ، ولساحران: الخبر. وقول من قال: إنه [كقول الشاعر]:
  ٤٠ - فليت كفافا كان خيرك كلّه ... وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي(٢)
  في أحد التأويلين، من أن التقدير: فليته، أي: إنه هذان لساحران، فقولان فاسدان، ودعويان خارجتان، عن كلام العرب، لأن اللام لا تدخل على الخبر: أعني لام الابتداء، في باب المبتدأ، والخبر، لا يقال: زيد لقائم، إنما يقال: لزيد قائم. [قال الشاعر]:
  ٤١ - أم الحليس، لعجوز شهربه ... ترضى من اللّحم بعظم الرقبه(٣)
  من الشواذ التي لا اكتراث بها، كما جاء فيها: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ}(٤) بالفتح(٥)، مع اللام. وإن زعم عالمهم، المبرد الذي عرض هو عليه(٦)، فرضي، من أن التقدير: إن هذان لهما ساحران(٧)، وأنّ اللام داخل على المبتدأ، في التقدير. فإن هذا جمع بين الضدين، لأن اللام للتأكيد، والتأكيد للإطناب، والإسهاب. والحذف للإيجاز، والاختصار، فلا يجمع بين الضدين.
  وأما قول الأخفش: إن هذه الحروف، دلائل الإعراب(٨)، فإن هذا يؤول إلى قول سيبويه وذلك لأن القول عند سيبويه: إن هذه الحروف حروف إعراب(٩). والحركة فيها مقدرة [ليبقى] دليل
(١) قاله: المبرد، والزجاج، وقطرب. حجة القراءات ٤٥٥، ومجمع البيان ٧: ١٥، ١٦.
(٢) البيت من الطويل، ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي، في: الأغاني ١٢: ٢٩٥، وأمالي القالي ١: ٦٨، والخزانة ٣: ١٣٣.
(٣) من الرجز، لرؤبة، في: ملحق ديوانه ١٧٠، ولرؤبة، وعنترة بن عروّس، في الخزانة ١٠: ٣٢٢، ٣٣٣.
وبلا نسبة في: أصول ابن السراج ١: ٣٣٣، وابن يعيش ٣: ١٣٠، ٧: ٥٧، وابن عقيل ١: ٣٦٦، واللسان (شهرب) ١: ٥١٠، والتاج (شهرب) ٣: ١٦٩.
الشهربة: العجوز الكبيرة.
(٤) ٢٥: سورة الفرقان ٢٠.
(٥) وهي قراءة: سعيد بن جبير. التبيان - للعكبري ٢: ١٦١، والبحر المحيط ٦: ٤٩٠، والمغني ١: ٢٣٣.
(٦) أي: الزجاج.
(٧) مجمع البيان ٧: ١٦، وفيه، قال الزجاج: (تقديره: نعم، هذان لهما ساحران ...).
(٨) الإيضاح في علل النحو ١٣٠.
(٩) الكتاب ١: ١٧، ١٨، وفيه: (واعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد، واللين، =