باب ما يستعان به على التوبة
باب ما يستعان به على التوبة
  اعلم علمك الله الخير أن من أراد أن يحصل لنفسه منزلة التآئبين فيجب أن يملأ قلبه خوفًا وخشية؛ لأن التوبة لا تكاد تتم، وإن تمت لم تَصْفُ ولم تَدُمْ ما لم يصحبها الخوف والخشية. وقد نَبَّه الله تعالى على ذلك حيث يقول لنبيه ÷: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ}[الأنعام: ٥١] وقال تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ}[فاطر: ١٨] وقال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ٤٥}[ق: ٤٥] وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ٤٦}[الرحمن: ٤٦] وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}[النازعات: ٤٠ - ٤١] وقال: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ٤٥}[النازعات: ٤٥].
  واعلم: أن الخوف للتوبة بمنزلة الأساس للأبنية، فكما أن الأبنية إذا لم تكن بُنِيَت على أساس متين لم تستقم ولم يطل لبثها، كذلك التوبة إذا لم تُبْنَ على الخوف والخشية لم تستقم ولم يطل لبْثُهَا، ولهذا كثير من المتكلمين(١) بنوا أمر الخواطر التي ترد على المكلف في أول أمره على الخوف.
(١) كأبي علي وابنه أبي هاشم، فقد قالوا: إذا كملت علوم العقل لشخص فلابد أن يخاف ترك النظر، وإلا كان تكليفه كالنائم والساهي. والتخويف: إما من جهة نفسه بأن ينظر في تركيبه فيقول: لا تأمن أن يكون لك صانع يعاقبك إن عصيت أو يخوفه بعض الآدميين. البحر الزخار ١/ ١٣٨. والخواطر خمسة: خاطر الحق سبحانه، وخاطر الْمَلَك، وخاطر القلب، وخاطر الشيطان، وخاطر النفس. ينظر تصفية القلوب للديلمي ٩٩ خ.