[دواعي نقض التوبة]
  أبناء الدنيا المنهمكين فيها إذا تابوا لم يثبتوا على التوبة، إما بأن ينسلخوا منها جملة، أو بأن يُخِلُّوا ببعض أركانها؛ لأن دواعيهم إلى المعاصي، وصوارفهم عن الواجبات تكون بحالها لم يعالجوها، ولم يأخذوا أنفسهم بقمعها وإزالتها، فيوشك أن يعود كما كان.
  ألا ترى أن من كسب غيضة فكسحها وقطع أشجارها؛ متى ترك عروقها على حالها ولم يقصدها بالإزالة ولم يتعاهد الأرض بالتنقية يوشك أن تنبت أشجارها كما كانت.
  نعوذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ(١)، ونسأل الله العصمة وحسن التوفيق.
  وقد نبَّه الله تعالى على ما ذكرنا وحذر عباده مما وصفنا بقوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ١٧٥ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦}[الأعراف: ١٧٥ - ١٧٦].
  فبين ø أن الذي آتاه من فضله، وخصه بما خصه لَمَّا ركن إلى الدنيا واتبع الهوى انسلخ مما آتاه الله ومنحه به من فضله ورحمته؛ فليحذَرِ التائبُ هذه الحالةَ كُلَّ الحذر، وَلْيَعْلَمْ أنه إن نكص على عقبيه (أتِيَ مِنْ تَرْكِهِ تَوَقّي ما قلناه)(٢)، وليستعن بالله ø وليجعل
(١) الحور: النقصان والرجوع. والكور: الزيادة. تاج العروس ٧/ ٤٦١.
(٢) في (هـ) أتى من تركه التوبة مما قلناه.