مقدمة
  مع قلة الهمم عن مطالعتها والوقوف عليها، وكثرة أشغال القلوب فقد سألني وطلب مني من لا يسعني مخالفته أن أضع مختصراً وجيزاً في التاريخ ونجعله في أعظم موضوع وأجل مقصود، وهو في سيرة سيد الأولين والآخرين، لما في ذلك من عظيم الفائدة، ومعرفة سيرته وتاريخه من أعظم وأجل المقصودات، ولو قلنا إن ذلك واجب لم نذهب بعيداً، وإن كان لا يسع لتفصيلها الأوراق الكثيرة فسنشير إلى الأهم منها قصداً للاختصار كما ذكرنا ولما في ذلك من التبرك بذكره. ومن تأمل سيرته ونظر إليها بعين التحقيق وعرف ما لقي من الأذى وما قام به من الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، وصلاح العباد، فتارة ستأخذه العبرة، وتارة يمتلئ قلبه سروراً، وتارة يزداد إيمانا ويقينا، وتارة يتأسي برسوله وبأصحابه الراشدين، بما كان هناك من الإخلاص والوفاء وبذل الأنفس والأموال، ويأخذ منها دروساً وعبراً، وإن في سيرته ما لا أقدر أن أصفه من الفوائد الدينية، ومن نظر وتأمل ما لقي من الأذى والابتلاء من الأوضاع المختلفة، والوسائل الكثيرة والمحن الواسعة الشهيرة، ومع ذلك فهو صفي الله وأمينه وخيرته من خلقه، علم(١) أن هذه الدار دار ابتلاء واختبار {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك: ٢] ففاز من حسن إيمانه واحتذى بالصالحين من عباده، وإني أرجو الله سبحانه أن يكون هذا المختصر عند الطالبين مرغوباً، وعند العارفين مرجعاً ومحبوباً، ولا غرو فمن هو الذي لا يرغب في هذا المقصد العظيم، وذكر النبي الكريم، إن
(١) خبر لقولة: ومن نظر .... الخ