رضاعه ÷
رضاعه ÷
  كان من عادات ملوك العرب وأهل مكة أن يختاروا للرضيع مرضعةً من الأعراب حتى يسلم من وباء مكة ونحوها، ويتنسم بريح الصبا، ويتعلم اللغة العربية ليكون أنجب للولد، فجاءت نسوة من بني سعد يلتمسن الرضعاء طلباً للمعروف، لما هم فيه من القحط والجدب، ومعهن حليمة السعدية، وكانت حليمة تخبر: أنها أتت إلى مكة على أتان(١) ضعيفة، ومعها ولدها وشارف(٢) وما فيها شيء من اللبن، إلا لبن قليل جداً، ولا ينام الصبي من شدة الجوع والعطش، ولكنا نرجو الغيث والفرج، فما منا امرأة إلا وقد أصابت رضيعة، ولم نجد إلا هذا الولد اليتيم وقد عُرض عليهن كلهن ولا يرغبن فيه لأنه يتيم، ولأنهن يطلبن المعروف، فقلت لزوجي: نأخذ هذا اليتيم ولعل الله يجعل لنا فيه خيراً ولا نرجع بغير رضيع، فقال: على بركة الله، فأخذته فلما وضعته في حجري فإذا النور يضيء في وجهه، وإذا ثدياي قد احتفلت باللبن الكثير، والشارف كذلك. فقال زوجي: والله لقد أخذتِ نسمة مباركةً، فرجعنا وإذا الأتان لا يسبقها شيء، فتعجبت النساء وقلن: ما بال الأتان، وما هذا أتانكما الأول. قلت: بلى. قلن: والله إن له لشأن. فرجعنا إلى بلادنا وكنا في شديد الجدب، فأنزل الله علينا البركات في أرزاقنا، ومواشينا تروح بطانا حافلات باللبن، فبقي معنا سنتين، وأرجعته إلى أمه وأنا شفيقة عليه، وطلبت من أمه أن ترجعه معي فقالت: خذيه مباركة.
(١) الأتان أنثى الحمار.
(٢) من النوق المسنة والهرمة.