(4) المسألة الرابعة أنه لا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي من قضاء الله تعالى وقدره
  كذلك القدر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: -
  ١ - أحدها: بمعنى الخلق، يحكيه قوله تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}[فصلت: ١٠] معناه خلق فيها أقواتها.
  ٢ - وثانيها: بمعنى العلم، يحكيه قوله تعالى: {إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ}[النمل: ٥٧] معناه علمنا ذلك من حالها.
  ٣ - وثالثها: بمعنى الكتابة، يحكيه قول العجاج:
  واعلم بأن ذا الجلال قد قدر ... في الصحف الأولى التي كان سطر
  فاجتنب منه الشر معناه: كتب أمرك هذا.
  وإنما قلنا إن بعض هذه المعاني صحيح في هذه المسألة وبعضها فاسد؛ لأن قول من يقول: قضى الله بالمعاصي وقدّرها بمعنى خلقها قول باطل؛ لأنا قد بينا أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى، لا خلقها ولا أحدثها.
  وقول من يقول: إن المعاصي بقضاء الله تعالى وقدره بمعنى الأمر، قول باطل أيضاً؛ لأنها قبيحة، والأمر بالقبيح قبيح.
  وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[الأعراف: ٢٨] وقول من يقول: إنها بقضاء الله تعالى وقدره، بمعنى الإخبار والإعلام قول صحيح؛ لأن الله قد أخبر أن العباد يفسدون في الأرض، وعلم ذلك من حالهم قبل خلقه لهم، لما بينا أن الله تعالى عالم لذاته.
  ***