الفن الأول: علم المعاني
  وردّ: بأن المعنى: لكاذبون في الشهادة، أو في تسميتها، أو في المشهود به في زعمهم.
  الخامس: وهو الذي قدمه المصنف - وهو الصحيح وعليه الجمهور - أن الصدق المطابقة للخارج، سواء كان معتقدا أم لا، والكذب عدمها، وقد علم من هذه الأقوال أن قولنا: الخبر إما صدق أو كذب منفصلة حقيقة على قول، ومانعة الخلو فقط على قول، ومانعة الجمع فقط على قول، وقد أهمل المصنف دليل المختار لكثرة أدلته؛ فمنها الإجماع على أن من قال: محمد ليس بنبي كاذب، ومن قال: الإسلام حق صادق، وبقول النبي لأبى سفيان: «كذب سعد»(١) حين قال سعد لأبى سفيان:
  اليوم تستحل الكعبة، وقول ابن عباس: «كذب نوف»(٢) حين قال نوف البكالي:
  ليس صاحب الخضر موسى بني إسرائيل.
  (قلت): وفيه رد على من جعل الصدق تابعا للاعتقاد فقط أولهما، وبقول بينهما واسطة، ولا رد فيه على من جعله تابعا لهما معا، ويدل له أيضا قوله ﷺ: «من كذب علىّ متعمدا»(٣) لدلالته على انقسام الكذب إلى متعمد وغيره، وقد استنبطت من القرآن الكريم دليلا أصرح من الجميع، وهو قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ}(٤) وقد ذكر المصنف شبهة القائل بأن العبرة بالاعتقاد فقط، ولا نظر إلى المطابقة الخارجية، وهو قوله تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ(٥) فلو كانت العبرة بالمطابقة لكانوا صادقين؛ لأنهم يشهدون أنه رسول الله.
  قال: ورد بثلاثة أمور:
  أحدها: أن المعنى: لكاذبون في الشهادة؛ لأنها تتضمن التصديق بالقلب، فهي إخبار عن اعتقادهم، وهو غير موجود، فهو تكذيب لقولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}(٦) بالنسبة إلى ما تضمنه الاعتقاد القلبي، وعلم من تصديرهم بالجملة الاسمية، ومن تصديرها بلفظ الشهادة، ومن التأكيد بأن واللام.
(١) أخرجه البخاري في «المغازي»، (٧/ ٥٩٧ - ٥٩٨)، (ح ٤٢٨٠).
(٢) أخرجه البخاري في «التفسير»، (٨/ ٢٦٣ - ٢٦٤)، (ح ٤٧٢٦)، ومسلم (ح ٢٣٨٠).
(٣) أخرجه البخاري في «أحاديث الأنبياء»، (٦/ ٥٧٢)، (ح ٣٤٦١).
(٤) سورة النحل: ٣٩.
(٥)،
(٦) سورة المنافقون: ١.