الفن الأول: علم المعاني
  .. ... .....
  والوصل. وكذلك استدل على صحة أنكحة الكفار بقوله تعالى: {وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ}(١)، {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ}(٢) والحق أن الدلالة على نسبة المحمول للموضوع بالمطابقة، وعلى غيره بالالتزام وينبغي أن يستثنى من ذلك ما كانت صفة المسند إليه فيه مقصودة بالحكم، بأن يكون المحكوم عليه في المعنى الهيئة الحاصلة من المسند إليه وصفته، كقوله ﷺ: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم»(٣) فإنه لا يخفى عن الذوق السليم أن المراد أن الذي جمع كرم نفسه وآبائه هو يوسف، وليس المراد الإخبار عن الكريم الذي اتفق له صفة الكرم، كما في قولك: (زيد العالم قائم). وكذلك الصفات الواقعة في الحدود، كقولك:
  الإنسان حيوان ناطق؛ فإن المقصود الصفة والموصوف معا، ولو قصدت الإخبار بالموصوف فقد لفسد الحد. ومن هنا يتنبه لقاعدة كلية، وهى أن الصفات المذكورة في الحدود لا يجوز أن تعرب أخبارا ثواني؛ بل يتعين إعرابها صفة، لما يلزم على الأول من استقلال كل خبر بالحد، ومن هنا منع جماعة أن يكون (حلو حامض) خبرين وأوجب الأخفش أن يعرب (حامض) صفة، والجمهور القائلون أن كلا منهما خبر لا يلزمهم القول بمثله في نحو الإنسان حيوان ناطق؛ لأن (حلو حامض) ضدان، فالعقل يصرف عن توهم أن يكونا مقصودين بالذات، وأن يكون كل منهما قصد معناه، فلا يوقع في الغلط، بخلاف الإنسان حيوان ناطق، ليس في اللفظ، ولا العقل إذا كانا خبرين ما يصرف كلا منهما عن الاستقلال. ولأمر آخر. وهو أن الجزء الأول من حلو حامض كالجزء الثاني؛ ليس له حكم بالكلية، حتى نقل عن الفارسي أنه لا يتحمل ضميرا وما شأنه ذلك لا يدخل في الحدود؛ لأن كل واحد من حيوان وناطق مثلا مقصود وحده. ألا ترى أنك تقول دخل بالجنس كذا، ثم خرج بالفصل الأول كذا، ثم بالفصل الثاني كذا، فقد جعلت لكل معنى مستقلا، وليس ذلك شأن (حلو حامض) فلم يبق إلا أن يكونا خبرين مستقلين؛ فيفسد الحد، أو يكون الثاني صفة وهو المدعى فليتأمل. ثم لا ينبغي أن يؤخذ هذا على إطلاقه بل يقال: مضمون الخبر هو النسبة بما لها من قيود الحكم؛ فإن قولك:
(١) سورة القصص: ٩.
(٢) سورة التحريم: ١١.
(٣) الحديث سبق تخريجه.