الفن الأول: علم المعاني
  وقد ينزّل العالم بهما منزلة الجاهل؛ لعدم جريه على موجب العلم؛
  ولا يرد على السكاكى ما قال من أنه لا يلزم امتناع حصول شئ قبل شئ كون الممتنع حصوله قبل لازما، ولا يلزم من امتناع حصول الثاني قبل الأول أن يكون لازما؛ لأنه لم يتمسك بذلك فقط، وإنما جاءه هذا من خصوص هذه المادة، لا أن الثاني إذا امتنع أن يحصل قبل، والخبر كاف في حصول الثاني فلا تتخلف استفادته عنه، ويلزم من ذلك أن لا تتخلف استفادة الثاني عن استفادة الأول، وأورد أنه هلا اكتفى بلازم الفائدة عنها؟ وجوابه: أنه نظر إلى قصد المتكلم، وقد يقصد الفائدة ولا يقصد اللازم وإن كان يلزم من وجود الفائدة وجود لازمها، ولكن لا يلزم من قصدها قصد فائدتها، وقد يورد عليه أنه ينبغي أن يقول: أو قصدهما! وجوابه: أن قصد كل واحد منهما أعم من قصد الآخر، فيدخل قصدهما في عموم الصورتين.
  (تنبيه): قول المصنف: قصد المخبر، المصدر فيه بمعنى المفعول، وقوله: (أو كون المتكلم) على حذف مضاف تقديره أو إفادة كون المتكلم؛ إذ لا يريد أن المتكلم يقصد إفادة أيهما كان، وقوله: (إفادة) خبر أن؛ أي لا شك أن
  مقصود المتكلم إفادة المخاطب، والحكم مفعول إفادة، وقوله: (ويسمى الأول) المراد بالأول هو إفادة المخاطب، وذكره لأن المعنى المقصود الأول، ويوجد في بعض النسخ الأولى، وهو أحسن لعوده على مؤنث، ورجحه ابن الحاجب، والثاني لازمها: أي ويسمى الثاني وهو إفادة علم المخبر لازم فائدة الخبر، وقوله: (المخاطب) فيه نظر، وينبغي أن يقول السامع: لأنه أعم.
  ص: (وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم).
  (ش): قد يرد الخبر كثيرا، إلا لواحدة من هاتين، فأراد أن يعتذر عنه فقال: قد ينزل العالم منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، وهو العمل به، فتقول لمن يعلم أن زيدا أبوه وأنت تعلم ذلك: (زيد أبوك فأحسن إليه) معناه: أنك تعامله معاملة من يجهل أبوته، فالفائدة هنا ترجع إلى استفادة الحكم، وقد علم من قوله: العالم بهما أن ينزل العالم بأحدهما أيضا، كذلك، فيقول السلطان لمن أهان أباه وهو لا يعلم أن السلطان يعلم أنه أبوه: (فلان أبوك) يقصد بذلك إظهار إعلامه بذلك، تنزيلا له منزلة الجاهل به، ويحصل بذلك إعلامه أن السلطان يعلم ذلك ولا يتصور العكس لما تقدم من اللازم.