عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 149 - الجزء 1

  . ... ... ... .....


  (ش): لأن هامان ليس مأمورا أن يبنى بنفسه، وقوله: غير مختص معطوف على كثير، ولكنه لا يشاركه في ظرفه الذي هو في القرآن، وهذا مثال لمجاز السببية ويأتي ذلك في الجميع، كقولك: لعل العيشة ترضى، والنهار يصوم، والنهر يجرى، والجد يجد، وفى القسم تقول: أقسمت بالله، حقيقة، فإذا أردت الإسناد المجازى لا تكاد تقدر عليه، ولا تقدر عليه أيضا في النداء ولا الاستفهام، لا يقال: قد يأتي في القسم في نحو:

  حلف الزّمان ليأتينّ بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفّر⁣(⁣١)

  فإنك يصح أن تقول: على هذا قال الزمان: أقسمت لآتين بمثله؛ لأن الإسناد حينئذ في قول الزمان: (أقسمت) حقيقة وفى قولك: قال الزمان: هو المجاز.

  (قاعدة هذا أول مواطن ذكرها لا بأس بالتيقظ لها فقد غلط فيها من لا أحصيهم عددا من الأئمة) والاختصاص والتخصيص معناهما الانفراد والإفراد، فإذا قلت: اختص زيد بالمال فمعناه أنه انفرد به لم يشاركه أحد من الناس فيه، وخصصته به أي أفردته من دون سائر الناس بالمال، كما صرح به أهل اللغة، وقال: الراغب: التخصيص⁣(⁣٢) والاختصاص والتخصص تفرد بعض الشئ بما لا يشاركه فيه الجملة اه. وهذا واضح، ولذلك قال تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ}⁣(⁣٣) أي يفرد من يشاء برحمته، أو ينفرد من يشاء برحمته، فمعناه على التقديرين انفراد من يشاء بالرحمة، فإذا قلت: اختص زيد بالمال فمعناه أن زيدا منفرد عن غيره بالمال، فهو المختص بمعنى اسم الفاعل، والمال مختص به، والمختص أبدا هو المنفرد، والمحتوى على الشئ فهو كالظرف له، والمختص به أبدا هو المأخوذ، كالمظروف، فلو قلت: اختص المال بزيد مريدا ما أردته بالمثال السابق لم يصح؛ لأنك في المثال الأول حصرت المال في زيد، وفى الثاني حصرت زيدا في المال، فلا يكون له صفة غير الاحتواء على المال،


(١) البيت بلا نسبة في شرح عقود الجمان ١/ ٤٨.

(٢) التخصيص: كذا في الأصل، ولا يستقيم الإخبار عنه بالتفرد، فلعله من زيادة الناسخ، أو سقط بعض العبارة. كتبه مصححه.

(٣) سورة آل عمران: ٧٤.