عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 180 - الجزء 1

  ٣ - وقد يأتي لواحد باعتبار عهديّته في الذهن؛ كقولك: ادخل السوق؛ حيث لا عهد، وهذا في المعنى كالنّكرة.

  ٤ - وقد يفيد الاستغراق⁣(⁣١)؛ نحو: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ}⁣(⁣٢)، وهو ضربان:

  - حقيقىّ؛ نحو: {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ}⁣(⁣٣) أي: كلّ غيب وشهادة.

  - وعرفىّ؛ نحو: جمع الأمير الصّاغة، أي: صاغة بلده أو مملكته.


  وقد يكون جنسيا، بمعنى إرادة جنس هو نوع لما فوقه، كقولك: الرجل، تريد به فردا من أفراد الرجال الحجازيين دون غيرهم، وهذا يقع كثيرا في الكلام ولعل منه قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ}⁣(⁣٤) فإن المراد جنس كتب الله، ليكون صالحا للتوراة، والإنجيل، والزبور التي أوتيها من تقدم ذكره من الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم تسليما فاللام فيه عهدية جنسية، وكذا قوله تعالى: {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ}⁣(⁣٥) قال الزمخشري: أي جنس كتب الله المنزلة، وتصير هذه الألف واللام عهدية، جنسية، استغراقية. وعلى هذا فينبغي أن يجعل: (وليس الذكر كالأنثى) من هذا القسم؛ فإن المعهود الذكر الذي قام بذهنها كيفيته المطلوبة، وذلك معهود جنسي لا شخصي، كما سبق في: ولقد أمر على اللئيم.

  الثالث: أن تكون للاستغراق، وإليه الإشارة بقوله: وقد يفيد الاستغراق، وإنما قال: وقد يفيد لأنه يريد أن اللام الجنسية قد تفيد الاستغراق ومعنى الجنسية مع ذلك لا يفارقها، ومثله بقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ}⁣(⁣٢) فإنه عام، بدليل الاستثناء منه، وكذلك: {خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً}⁣(⁣٦) ثم قال: إن الاستغراق على قسمين:

  أحدهما: حقيقي، نحو: {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ}⁣(⁣٣) فإن معناه: كل غيب، وكل شهادة، وفى جعل هذا من هذا القسم بحث، سيأتي إن شاء الله.

  والثاني: عرفى، كقولنا: جمع الأمير الصاغة أي: صاغة بلده أو مملكته. والحق وهذا أنه عام أيضا؛ ولكنه مخصوص بالعقل، كقوله تعالى: {خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣(⁣٧) ثم


(١) أي المعرف باللام المشار بها إلى الحقيقة.

(٢) سورة العصر: ٢.

(٣) سورة السجدة: ٦.

(٤) سورة الأنعام: ٨٩.

(٥) سورة البقرة: ١٧٧.

(٦) سورة النساء: ٢٨.

(٧) سورة الأنعام: ١٠٢.