عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 231 - الجزء 1

  ... ... ... ... ... ... .....


  ثم في كلامهم السابق نقود كثيرة، منها قول الخطيبي: إن الاقتران اللفظي، لا أثر له في جعل الفصل من أحوال المسند إليه. وليس كما قال، بل الاقتران اللفظي بأحد الطرفين، إذا كان المعنى بالنسبة إليهما على السواء، يرجح به، وربما رجح به مع التفاوت في المعنى، ألا ترى أن قولك: القائم زيد، يكون القائم هو المبتدأ والمسند إليه لسبقه لفظا؟ ثم إن الخطيبي ناقض هذا الكلام في بحثه مع الكاشي، واعتبر قول النحاة: إن فائدة الفصل بيان أن ما بعده خبر، وذلك اعتبار لفظي أيضا.

  ومنها قول الخطيبي: الفصل عبارة عن المسند إليه، ومؤكد له، وتكرار له، وإعرابه إعرابه، كل ذلك ممنوع.

  (قوله: ويدل على أن المسند إليه معنى يوجد في المسند، ولا يوجد في غيره) معارض بأن يقال: هو معنى يوجد في المسند إليه، ولا يوجد في غيره، كما فعل هو في جواب الكاشي سواء بسواء. وإذا تقرر فساد هذا السؤال وجوابه؛ فلنذكر نحن السؤال على التحقيق، بالعكس مما ذكروه، ونقول: الأولى أن يجعل الفصل من الاعتبارات الراجعة إلى المسند إليه أو إلى المسند أو إلى الاسناد ولا شك أن هذا يلتفت عن أن تأكيد الفصل للجملة أو للمفرد، فمقتضى ما سبق أن يقال: للفصل ثلاث فوائد:

  التأكيد، والتخصيص، وأن ما بعده خبر. فإن نظر للفائدة الأولى فأولى أن يجعل من اعتبارات الإسناد؛ لأنه توكيد للحكم، كما جعل التأكيد بأن من اعتباراته. ودخوله في وسط الكلام لا ينافي ذلك، كما أن لام الابتداء تدخل بين المسند إليه والمسند، والتأكيد بها من اعتبارات الإسناد، كما سبق.

  وإن نظرنا إلى فائدة التخصيص، فالأولى أن يجعل من اعتبارات المسند إليه، لأن الفصل تخصيص المسند إليه بالمسند، فالفصل مخصص بالكسر، والمسند إليه مخصص بالفتح، والمسند مخصص، فأثر الفصل معنى يتعدى منه إلى المسند إليه، ويصير قائما بالمسند إليه فعلم أن نسبته إلى المسند إليه أولى. ولما كان المصنف وغيره من أهل هذا العلم، إنما عولوا على أن فائدة الفصل التخصيص، ولم يعولوا على التأكيد، جعلوه من أحوال المسند إليه. وإن نظرنا إلى الفائدة الثالثة، وهى أن ما بعده ليس تابعا؛ صح أن يجعل من أحوال المسند إليه؛ لأنه يسرع إعطاءه لخبره، وصح أن يجعل من أحوال المسند؛ لأنه يبين خبريته.