الفن الأول: علم المعاني
  وقال عبد القاهر: إن كانت كلمة كلّ داخلة في حيّز النفي بأن أخّرت عن أداته؛ نحو [من البسيط]:
  ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه(١) ...
  أو معمولة للفعل المنفى؛ نحو: ما جاءني القوم كلّهم، أو: ما جاءني كلّ القوم، أو: لم آخذ كلّ الدراهم، أو: كلّ الدراهم لم آخذ -: توجّه النفي إلى الشمول خاصّة، وأفاد ثبوت الفعل أو الوصف لبعض، أو تعلّقه به.
  وإلّا عمّ: كقول النبي ﷺ لمّا قال له ذو اليدين(٢): أقصرت الصّلاة أم نسيت؟! -: كلّ ذلك لم يكن(٣)، وعليه قوله [من الرجز]:
  قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى ... علىّ ذنبا كلّه لم أصنع(٤)
  وقولنا: كل إنسان لم يقم موجبة معدولة معناها الحكم بعدم القيام على كل فرد، وقد تقرر أن مدلول كل إنسان كل فرد فيكون معناها الحكم بعدم القيام على كل فرد، ولا يعارض هذا قول المنطقيين: كل إنسان ليس بقائم سالبة جزئية، لأنهم إنما قالوا ذلك من اعتقادهم من كل المجموع ونحن قد أثبتنا أن مدلولها عند العرب الأفراد فالحكم بالنفي على كل الأفراد فهذا هو السر في الفرق بين كل ذلك لم يكن ولم يكن كل ذلك، واستقام به كلام اللغويين والنحويين وكلام المنطقيين، وظهر أن العرب أدركت بعقولها السليمة وطباعها الصحيحة ما تعب فيه اليونان دهرهم بل زادوا عليه في تحرير دلائل كل، والحمد لله الذي وفقنا لفهم ذلك. اه كلامه.
  وقد أردف ذلك بفوائد تتعلق بما نحن فيه، وغالب ما سأذكره في هذه المسألة هو من كلامه ذلك.
  ص: (وقال عبد القاهر إلخ).
  (ش): هذا الكلام المنقول عن عبد القاهر موافق في الحكم لما قاله ابن مالك إلا أنه مخالف له في الاستدلال، وإنما أخره المصنف ليتبين أنه إنما رد فيما تقدم الدليل ولم يرد
(١) عجز البيت للمتنبى، وعجزه:
تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن
(٢) أحد الصحابة.
(٣) الحديث أخرجاه في الصحيحين، البخاري في الصلاة ٨٨، ومسلم في المساجد ٩٧، ٩٨ وغيرهما.
(٤) البيت لأبى النجم الراجز المشهور وهو في المصباح ص ١٤٤.