عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 261 - الجزء 1

  .. ... ... .....


  تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ}⁣(⁣١)؟ قلت: السلب عن المجموع أعم من السلب عن كل فرد فقد يدل دليل من خارج على عموم السلب خلافا لعبد القاهر.

  (فرع): هذه الأحكام السابقة لا تختص بها كل بل غيرها من صيغ العموم كذلك في الغالب، فنظير كل إنسان لم يقم الرجال لم يقوموا في النفي {وإِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ}⁣(⁣٢) في الإثبات ومن قام فأكرمه، ونظير لم يقم كل إنسان لم يقم الرجال لم يقم من في الدار أو الرجل مرادا به العموم، وإن كانت كل أدل على التفصيل من غيرها، وقد حققنا هذا الموضع في شرح مختصر ابن الحاجب، أما لم يقم إنسان فلا يقال:

  تأخرت فيه صيغة العموم وهى النكرة عن النفي، لأن النفي هو صيغة عموم النكرة فليتأمل.

  (فرع): ما ذكرناه لا تختص به صيغ العموم، بل كل ما دل على متعدد أو مفرد ذي أجزاء كذلك؛ فإذا قلت: ما رأيت رجالا أو ما رأيت رجلين أو ما أكلت رغيفا أو ما رأيت زيدا وعمرا كل ذلك سلب للمجموع لا لكل واحد بخلاف ما لو تقدم السلب.

  (فرع): ما قدمناه من أنه إذا تقدم النفي على كل لا يفيد الاستغراق هو فيما إذا لم ينتقض النفي بإلا فإن انتقض قبل المحمول فالاستغراق باق كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً}⁣(⁣٣) فهو لعموم السلب، وسببه أن النفي للمحمول وما بعد إلا لا يسلط النفي عليه لأنه مثبت، وهو في المفرغ مسند لما قبلها، وهو كل فرد كما كان قبل دخول النفي والاستثناء، وعلى قياس هذا ما كل أحد إلا قائم وما كل ذلك إلا يكون، وكذلك لو كان ما بعد إلا منفيا مثل: ما كل رجل إلا لم يقم، وإن وقعت إلا بعد المحمول كانت لسلب العموم مثل: ما كل إنسان قائم إلا في الدار.

  (فرع): قد علم حكم كل مع النفي فما حكمها مع الشرط؟ والذي يظهر أن تقدم كل على الشرط كتقدمها على النفي فيكون الشرط عاما لكل فرد، فإذا قلت: كل رجل إن قام فاضربه وكل عبد لي إن حج فهو حر فمن حج منهم عتق، فلو تقدم


(١) سورة القلم: ١٠.

(٢) سورة العصر: ٢.

(٣) سورة مريم: ٩٣.